الانقسامُ المؤبدُ والمصالحةُ المستحيلةُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
لم يعد الفلسطينيون عامةً يثقون أن المصالحة الوطنية ستتم، وأن المسامحة المجتمعية ستقع، وأن الاتفاق السياسي سينجز، وأن الشروط المشتركة لمختلف الأطراف ستحفظ، وأنهم سيعودون لممارسة حياتهم الطبيعية، وسيستعيدون علاقاتهم البينية الطيبة، وستعود الألفة إلى البيوت الفلسطينية، والدفء إلى العلاقات الفصائلية، وسينتهي الانقسام البغيض المزمن وستطوى صفحاته السوداء إلى الأبد، وسيلتزم طرفا الانقسام بتعهداتهما، ولن ينكصا على أعقابهما أو ينقلبا على اتفاقهما، إذ سيحفظان كلمتهما، وسيعود الفلسطينيون كما كانوا جبهةً واحدةً وأرضاً موحدة وعدواً مشتركاً، لا شيء يفرقهم، ولا عدو يقوى على زرع الخلافات بينهم، ولا من يشتت جمعهم ويفرق صفهم ويهدد وجودهم، ويستهدف وطنهم أرضاً وشعباً ومقدساتٍ.
لا يضحك الفلسطينيون على أنفسهم، ولا يخدعون بعضهم البعض، ولا يصدقون الكذبة التي يروجها المستفيدون ويدعيها المسؤولون، ولا يحاولون تزيين واقعهم أو تلميع صورتهم، فهم يدركون حقاً أن قيادتهم مريضة فاشلةٌ، وأنها عييةٌ عاجزة عن الفعل الجاد والالتزام الصادق، وأنها تفتقر إلى النوايا السليمة، وتعوزها الثقة والمصداقية، فهي لا تسعى إلى المصالحة ولا تريدها، ولا تخطط لها ولا تذلل العقبات من أمامها، بل إنها تسعى بطرفيها لتكريس الانقسام وتأبيد الانفصال، وتأكيد الخصوصية، وادعاء الاستقلالية، وفرض الهيمنة وبسط النفوذ، بمساعي واهمةٍ وأحلامٍ بائسةٍ بالسيطرة والتمكين، أو الاستحواذ المنفرد والسيطرة الأحادية.
لقد ملَّ الفلسطينيون ويأسوا من اسطوانة الحوار المشروخة وخطابات الوحدة الممجوجة، وأصابهم القنوط من أمل المصالحة المنشود، ولم يعد لديهم أي أملٍ بانتهاء هذه الحقبة، وطي هذه الصفحة من التاريخ، والبراءة من سنوات الفرقة والخصام، والخلاص من الضيق والمعاناة، والنجاة من قوانين الحصار وأشكال العقوبات، وأدركوا أن الانقسام قدرهم، والانفصال مصيرهم، والمصالح تحكمهم، والأهواء توجههم، والمنافع تحركهم، والعدو وحلفاؤه فرحٌ بواقعهم، وراضي عن حالتهم، ويسعده بقاؤهم على ما هم فيه من انقسامٍ سياسي وانفصالٍ جغرافي، وعداوةٍ مستحكمةٍ، وممارساتٍ كيديةٍ، وإجراءاتٍ استفزازيةٍ، واعتقالاتٍ تبادليةٍ، تذهب بريحهم، وتضعف صفهم، وتفرق جمعهم، وتجعل بأسهم بينهم شديداً، ولقاءهم معاً محرماً ومستحيلاً…..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار