ما واقعية فكرة “تبادل الأرض” بين الفلسطينيين وإسرائيل؟

0
( تحليل )
عادت فكرة “تبادل الأراضي” بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتطفو على السطح من جديد، بعدما طرحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه الأخير بمجلس الأمن الدولي.

عباس، أعلن في خطابه، الثلاثاء، قبول “تبادل طفيف للأرض بالقيمة والمثل بموافقة الطرفين”، من ضمن عدة بنود تشكل أُسسا مرجعية لأي مفاوضات قادمة.

وتقوم فكرة “تبادل الأراضي” على ضم القرى الفلسطينية داخل إسرائيل دون أراضيها الزراعية، بالإضافة إلى مناطق في صحراء النقب (جنوب إسرائيل) إلى الدولة الفلسطينية، وبالمقابل ضم المستوطنات الرئيسية المقامة داخل حدود 1967 إلى إسرائيل.

ويعتقد مراقبون أن طرح الفكرة لن يقود إلى تطبيقها على أرض الواقع، بقدر استغلالها تمهيدا للعودة إلى جولة جديدة من المفاوضات، فيما ستستغلها إسرائيل لتبرير البناء الاستيطاني.

ووفقا للكاتب والمحلل السياسي غسان الخطيب، فقد أصبحت مسألة تبادل الأراضي جزءا من الموقف السياسي، والسياسة الرسمية الفلسطينية.

وبيّن لوكالة الأناضول التركية أن أصل الفكرة كان بهدف معالجة حقيقة وجود مستوطنات إسرائيلية كبيرة على أراضي الضفة الغربية، ومن الصعب تفريغها وتفكيكها.

وأضاف: “الفكرة تقوم بالإبقاء على المستوطنات وضمها لإسرائيل، وفي المقابل، منح أراضٍ للفلسطينيين مساوية بالقيمة والمقدار والمساحة.

واستدرك الخطيب الذي كان عضوا في وفد مدريد للسلام عام 1991، بالقول: “إسرائيل استخدمت الفكرة لتبرير توسيع الاستيطان، وتبرير نشاطاتها الاستيطانية أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي”.

واعتبر الخطيب أن تقديم هكذا فكرة يجب أن يكون من جانب وسطاء، لا أن تصدر من الجانب الفلسطيني.

ومضى قائلا: “يجب التوقف عن المطالبة بتحقيق الفكرة طالما أنه ليست هناك أي بوادر للحل، والعمل على طرح قائم على أساس تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وأولها إنهاء الاحتلال”.

ومنذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية (بما فيها القدس) عام 1967، أقامت إسرائيل عشرات المستوطنات الإسرائيلية، يعيش فيها اليوم نحو نصف مليون مستوطن.

متفقا مع الخطيب، اعتبر واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن الحديث عن تبادل الأراضي “سيفتح شهية الاحتلال لمزيد من التوسع في المستوطنات”.

ورفض أبو يوسف في حديث لوكالة الأناضول، طرح مسألة التبادل للنقاش، فيما إسرائيل تواصل الاستيطان، وترفض أي حلول سياسية.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، انبثقت الفكرة مما يعرف بـ “وثيقة جنيف” أواخر عام 2003، ضمن خطة للخروج من الأزمة التي نتجت عقب عملية “السور الواقي”، التي اجتاحت إسرائيل خلالها محافظات الضفة الغربية.

وقال إن الوفد الفلسطيني في جنيف طرح فكرة تبادل الأراضي بالقيمة والمثل والعمق، غير أن ذلك لم يطبق.

وأشار عوض في حديثه لوكالة الأناضول، إلى أن طرح تبادل الأراضي في حينه، كان يهدف لإرضاء الهواجس الأمنية الإسرائيلية، مقابل عدم التعدي على المساحات التي احتلت عام 1967.

وبين عوض أن الفكرة طرحت خلال جولات التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية عبر السنوات الماضية، حتى باتت جزءا من “المزاج التفاوضي للطرفين”.

قبول الرئيس “عباس” بتبادل طفيف، بحسب ما يرى عوض، هو محاولة لكسر الجمود في الواقع السياسي، لكن ذلك غير قابل للتطبيق.

وأضاف: “هي جزء من خطة قدمها الرئيس الفلسطيني للتصدي لصفقة القرن الأمريكية، لكن لن يأخذ أحد بها، كونها صدرت من الطرف الأضعف”.

وتعد وثيقة جنيف إحدى الاتفاقيات غير الرسمية التي وقعتها شخصيات فلسطينية، مع وزير العدل الإسرائيلي السابق يوسي بيلين في سويسرا، ديسمبر / كانون الأول 2003.

ومن أبرز الشخصيات التي شاركت في صياغة وتوقيع الوثيقة، والتي طرحت فيها فكرة التبادل، ياسر عبد ربه، أمين السر السابق للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

غير أن عبد ربه يقر بأن الفكرة كانت “خاطئة”، وتصب في مصلحة إسرائيل فقط.

ويضيف عبد ربه في حديث خاص لوكالة الأناضول: “تَبين لنا أن هذا الطرح حول تبادل الأراضي لا هدف له سوى كسر حدود الرابع من حزيران عام 1967، والخروج عن القاعدة الدولية التي حددت ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي احتلتها في ذلك التاريخ”.

واعتبر أن فكرة تبادل الأراضي هي “عملية خداع إسرائيلية، الهدف منها تبرير التوسع الاستيطاني، وضم أكبر مساحة من الضفة تحت اسم الكتل الاستيطانية”.

وأضاف: “التبادل يعني مزيدا من التوسع على حساب الضفة، والسيطرة على الأغوار (شرق الضفة) بحجة الأمن، وإسرائيل ستقرر بعدها كيفية ونوع التعويض للفلسطينيين”.

وتابع: “لا أرى أي ضرورة لطرح هذه المسائل من جديد، وذلك وقوع في الفخ الإسرائيلي”.

وحول ماهية مصطلح “تبادل الأرضي”، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت صالح عبد الجواد، إن التبادل يطبق في مناطق النزاع، وقد يشمل تبادل الأرض والسكان.

وأوضح أن إسرائيل ستسعى من خلال التبادل إلى “السيطرة على مناطق حيوية، تضم أحواض مياه، وثروات أخرى، كما في منطقة الخليل (جنوب الضفة)، وتشكل بها كتلا استيطانية كبيرة، إلى جانب مواقع تحفظ من خلالها منظومتها الأمنية، كالأغوار”.

وأضاف: “في المقابل تمنح (إسرائيل) الفلسطينيين مناطق قاحلة في (صحراء) النقب”.

لكنه استدرك متسائلا: “لماذا نتحدث في تفاصيل تبادل الأرض، فيما إسرائيل ترفض الدخول في المفاوضات؟”.

وتوقفت عملية التسوية السياسية فعليا منذ نهاية عام 2000، إثر فشل الجهود الأمريكية في إقناع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في التوصل إلى اتفاق نهائي، بسبب رفض إسرائيل تقديم تنازلات “حقيقية” تتيح إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ويقول الفلسطينيون إن عقد مفاوضات سياسية مع “اليمين الإسرائيلي” الذي يحكم البلاد منذ عام 2001 غير مجدية، كونه لا يؤمن بمبدأ “حل الدولتين” الذي تقوم عليه عملية التسوية.

وكانت آخر جولات المفاوضات قد انتهت في أبريل / نيسان 2014، بعد رفض إسرائيل إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين قدامى، ووقف الاستيطان بالضفة الغربية.
ــ أيسر عيسى .

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار