خريطة عمليات انتفاضة القدس بالأرقام: الخليل والقدس في الصدارة

0

خريطة عمليات انتفاضة القدس بالأرقام: الخليل والقدس في الصدارة
تكشف خريطة عمليات المقاومة الفلسطينية المتنوعة من طعن ودهس وإطلاق نار، منذ انطلاق الهبة الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول 2015 وحتى اليوم الأول من شهر يوليو/تموز 2016 الحالي تغيراً كبيراً في معادلة المقاومة الفلسطينية، بحيث بات السؤال الأول الذي يتبع أي عملية مقاومة هو: “من أين خرج المقاوم؟” وليس السؤال الذي اعتاده الفلسطينيون على مدار العقود الماضية: “من هو الفصيل الذي تبنى العملية؟”.
وعكست الهبة الفلسطينية هذا التغير بشكل جذري، بعد تقدم محافظات فلسطينية على غيرها في خروج المقاومين لتنفيذ عمليات المقاومة، كما هو الأمر مع محافظتي الخليل والقدس المحتلتين.

وتظهر الأرقام التي جمعها مكتب “العربي الجديد” في الضفة الغربية، أن الخليل تتقدم جميع المدن الفلسطينية في معارك المقاومة المفتوحة سواء الفردية أو المزدوجة، موقعة أكبر الخسائر بالاحتلال الإسرائيلي، تليها مباشرة مدينة القدس المحتلة.

ووفقاً للأرقام نفسها، فإن مجموع عمليات الطعن عام 2015 وصل إلى 70 عملية تبعها استشهاد المقاومين الذين نفذوا هذه العمليات. كما وصلت عمليات الدهس، وإطلاق النار، فضلاً عن إطلاق النار والطعن المزدوج إلى 22 عملية نفذها مقاومون استشهدوا خلال تنفيذ العمليات، باستثناء بلال أبو غانم الذي أصدر الاحتلال قبل أيام بحقه حكماً بالسجن المؤبد ثلاث مرات إضافة إلى ستين عاماً إضافية، بعد اتهامه بالمشاركة في عملية إطلاق النار والطعن المزدوجة التي نفذت في مستوطنة “أرمون هنتسيف” المقامة على أراضي جبل المكبر في القدس المحتلة. أما خلال النصف الأول من العام 2016 فقد وصلت عمليات الطعن إلى 38 عملية، فضلاً عن 15 عملية دهس وإطلاق نار.

ونفذ مقاومون من مدينة الخليل 28 عملية طعن عام 2015، وست عمليات ما بين دهس وإطلاق نار، فيما نفذ مقاوموها، منذ بداية 2016 وحتى اليوم الأول من الشهر يوليو الحالي، 20 عملية موزعة بين 16 عملية طعن، وعمليتا دهس وعملية مزدوجة إطلاق نار ودهس، وعملية إطلاق نار مطلع الشهر الحالي أسفرت عن مقتل مستوطن.

وتأتي القدس في المرتبة الثانية بعد الخليل من حيث تنفيذ عمليات الطعن، حيث تظهر بيانات عمليات المقاومة عام 2015، تنفيذ 20 عملية طعن، وسبع عمليات منها ثلاث عمليات دهس، وعملية مزدوجة كانت دهساً وطعناً، وثلاث عمليات إطلاق نار، فيما سجلت البيانات عن النصف الأول من عام 2016 تنفيذ خمس عمليات طعن، وخمس عمليات إطلاق نار، وعملية دهس واحدة.

ويجد المراقب الفلسطيني صعوبة بالغة إن لم تكن مستحيلة في رصد أعداد القتلى والجرحى الإسرائيليين، لأسباب عدة كما يوضحها المدون والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان. يقول أبو علان إنه “بعد أي عملية للمقاومة تعلن حكومة الاحتلال مثلاً عن مقتل إسرائيليين، وبعد أيام تنشر أن أحد القتلى أو كليهما من جنود جيش الاحتلال، وهذا أمر ينضوي على تضليل للعالم بين استهداف المدني والجندي المسلح”.

وفي ما يتعلق بالحصول على عدد القتلى والإصابات بدقة يقول “الأمر صعب للغاية لأن هذه المعلومات موجودة لدى مؤسسة “نجمة داوود الإسرائيلية” المسؤولة عن نقل القتلى والمصابين، وبالعادة لا يوجد تبادل معلومات بين هذه المؤسسة وبين الصحافيين والإعلاميين الإسرائيليين لتزويدهم بالأرقام بدقة، ما يجعل الصحافة الفلسطينية لا تملك من المعلومات سوى تلك التي تعلنها المواقع العبرية عن عدد القتلى والجرحى”.

وإضافة لما سبق، فإن صعوبة الحصول على المعلومة الحقيقية على الأرض حول عدد القتلى والمصابين الإسرائيليين، تأتي من أن تنفيذ العمليات غالباً في مناطق تقع تحت السيطرة الإسرائيلية بالكامل، وبالتالي لا يوجد شهود عيان من الفلسطينيين، فضلاً عن أن سيارة الإسعاف التي تنقل القتلى والمصابين من المقاومين والإسرائيليين تتبع لحكومة الاحتلال وكذلك المستشفيات، وبالتالي يفقد الفلسطينيون كل خيوط المعلومات.

وما يجعل المهمة أصعب هو فرض جهاز المخابرات الإسرائيلي تعتيماً إعلامياً على العديد من عمليات المقاومة اللافتة مثل عملية بهاء عليان وعلاء أبو جمل في أكتوبر/تشرين الأول 2015، وعملية عبدالفتاح أبو سرور وهي أول عملية تفجير حافلة إسرائيلية في القدس المحتلة عبر عبوة ناسفة في أبريل/نيسان 2016، وعملية مهند العقبي في أكتوبر/تشرين الأول 2015 في النقب المحتل، وغيرها العديد من العمليات.

ولعل أكثر العمليات إيلاماً للاحتلال تلك التي وقعت في الخليل أو في القدس المحتلة، أو على الطرق الالتفافية في ما يتعلق بإطلاق النار.

ويرى المحلل والكاتب، عادل شديد، أن هناك تمركزاً يظهر ثقل عمليات المقاومة في الخليل بحيث تشكل ما نسبته من 40 إلى 44 في المائة من عمليات المقاومة التي حدثت، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015، ما بين وقوع العملية في الخليل أو خروج المنفذ منها.

يقول شديد: “إن هناك احتكاكاً شديداً وحالة توتر دائمة موجودة في محافظة الخليل بين المواطن الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وهذا يعود لكون المستوطنات تحاصر الخليل فضلاً عن وجود المئات من المستوطنين يعيشون في قلب المدينة في بؤر استيطانية عدوانية، الأمر الذي لا يوجد في بقية المدن الفلسطينية التي تحاصرها المستوطنات فقط”.

ويلفت شديد إلى أن “الأمر الآخر يتعلق بوجود عشرات الحواجز العسكرية الإسرائيلية داخل مدينة الخليل، وأخرى تفصل المدينة عن قراها، ولم يكتف الاحتلال بهذا وحسب، بل إن هناك حواجز عسكرية تفصل قرى وبلدات الخليل عن بعضها بعضاً، وتفصلها عن المستوطنات والشوارع الالتفافية التي يستخدمها المستوطنون، ما يجعل وتيرة الاحتكاك أسوأ وأكثر انتهاكاً لحقوق المواطنين الفلسطينيين وحرية حركتهم”.

ويبلغ عدد سكان محافظة الخليل نحو 750 ألف نسمة، أي ما يعادل 30 في المائة من سكان الضفة الغربية، أما جغرافياً فتبلغ مساحتها 1100 كيلومتر مربع، أي حوالى 20 في المائة من مساحة الضفة.

ويرى شديد أن هناك تغيراً جذرياً قد حدث على التركيبة المجتمعية في الخليل باتت معالمه واضحة في الهبة الحالية، وهو حلول الجغرافيا والعائلة مكان التنظيم السياسي الرسمي.

ويوضح أنه “اليوم عندما يسمع الفلسطيني عن عملية، أول ما يُسأل عنه “من أين؟” وبالتالي عمليات المقاومة باتت تشكل مصدر اعتزاز وفخر للمكان والعائلة، في ظل حالة الفراغ التي خلفها غياب التنظيمات.

ووفقاً لشديد فإن الأمر اللافت “هو دور العائلات المساند للمقاومة، عكس الماضي، حيث كانت العائلات مساندة للسلطة والنظام السياسي المسيطر، منذ زمن الحكم التركي وحتى فترة قريبة، أما اليوم، فإن العائلات تستمد قوتها من الحركة الوطنية وتفاخر بخروج مقاومين منها، وتتحمل العقوبات الجماعية من إغلاق البلدات وسحب التصاريح والتسهيلات الإسرائيلية كما هو الأمر جلياً، اليوم، في مدن يطا ودورا وبني نعيم”.

أماكن تنفيذ العمليات

تتركز عمليات المقاومة في الخليل في أماكن الاحتكاك مع الاحتلال قرب الحرم الإبراهيمي الشريف، وعلى الحواجز العسكرية والمستوطنات، فيما يختار المقاومون إطلاق النار على الحواجز والطرق الالتفافية.

وبعد الخليل تأتي القدس في تنفيذ عمليات الطعن والدهس، وتبدو الهدف المفضل للمقاومين من داخل المدينة وخارجها، حيث شهدت الهبة الحالية مجيء مقاومين من أقصى شمال الضفة الغربية مثل جنين لتنفيذ عمليات إطلاق النار والطعن في المدينة، فضلاً عن مقاومين آخرين من نابلس وطولكرم، في تأكيد على رمزية المدينة وكونها تشكل حافزاً أكبر لتنفيذ عمليات المقاومة ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، سواء في رأس العامود أو على تخوم أبواب المدينة ومحطات الباصات والأسواق التي يرتادها المستوطنون.

وتعتبر الشوارع الالتفافية من حيث اختيار المقاومين لها، بعد نقاط الاحتكاك والحواجز والبؤر الاستيطانية والمستوطنات، هدفاً مفضلاً لعمليات إطلاق النار على المستوطنين وجنود الاحتلال. وكان آخر هذه العمليات عملية قتل أحد زعماء المستوطنين، مطلع الشهر الجاري، قرب مدينة يطا جنوب الخليل.

والشوارع الالتفافية هي أبرز مظاهر الفصل العنصري الذي تمارسه دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين، حيث تقوم بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي المدن والبلدات والقرى الفلسطينية لصالح شق شوارع ببنية تحتية مكلفة جداً، يتم استخدامها فقط من المستوطنين وجنود الاحتلال.

ويقول منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في الضفة الغربية، جمال جمعة، لـ”العربي الجديد”، إن الطرق الالتفافية جزء أساسي من منظومة الفصل العنصري، وبالتالي هناك حالة عداء بين الفلسطينيين وهذه الشوارع، ولاسيما أن جنود الاحتلال والمستوطنين يستهدفون الشبان على هذه الشوارع”.

ووفقاً لجمعة فقد بدأت دولة الاحتلال بشق الشوارع الالتفافية بعد الانتفاضة الأولى، وبدأت الخطط الضخمة لهذه الشوارع تظهر بعد اتفاقية أوسلو.

ويقول جمعة إنه “عام 1994 بدأ الاحتلال في شق شبكة الطرق الالتفافية لتفادي استخدام الطرق الفلسطينية، حيث تم مصادرة نحو 2 في المائة من مساحة الضفة الغربية لصالح هذه الشوارع التي يبلغ طولها نحو 1400 كيلومتر مربع، وهي فقط لاستخدام المستوطنين، فضلاً عن بناء 48 نفقاً مهمتها فصل شبكة الطرق المخصصة للفلسطينيين عن شبكة الطرق المخصصة للمستوطنين، وتم إنجاز جزء من هذه الأنفاق شمال الضفة الغربية في محافظة قلقيلية والقدس”. كما تمت هندسة الطرق الالتفافية والأنفاق بحيث تستطيع قوات الاحتلال إحكام السيطرة على جميع التجمعات السكانية في الضفة الغربية ما يتيح لها فرض نظام منع التجول أو حصار التجمعات السكانية بغضون ساعتين فقط، حسب ما يؤكد جمعة.

لكن هذه الطرق الالتفافية التي بدأت لتسهيل حركة المستوطنين ولتجنب استخدامهم للطرق الفلسطينية، وإحكام قبضة الاحتلال على الفلسطينيين عزلاً وحصاراً، باتت اليوم الهدف الأول للمقاومين في عمليات إطلاق نار غالباً ما تسفر عن قتلى وجرى إسرائيليين.

عقوبات جماعية بلا جدوى

في غضون ذلك، تبدو العقوبات الجماعية التي ينفذها الاحتلال بحق الفلسطينيين مكررة ولم تعد تجدي نفعاً، وفقدت قوة الردع التي يعوّل الاحتلال عليها لمنع مقاومين محتملين من تنفيذ عمليات أخرى.

وفي السياق ذاته، يقول رئيس بلدية دورا، سمير نمورة، التي تخضع لحصار محكم منذ نحو أسبوعين، لـ”العربي الجديد”، إنّ “هذه الأيام تذكرنا بعام 1991 حين كانت حرب الخليج وفرض الاحتلال الإسرائيلي منع التجول على البلدة، مع فرق أن اليوم لدينا حصار محكم لا يستطيع 40 ألف نسمة الخروج من دورا دون منع تجول، فضلاً عن وجود 60 ألف نسمة إضافيين يعانون من جراء الحصار وهم سكان القرى القريبة من المدينة والتي تعتمد عليها في خدمات كثيرة.

ويلفت نمورة إلى أنه “بلغت العقوبات الجماعية أوجها، من إغلاق محكم لكل مداخل البلدة، وسحب كل التصاريح والتسهيلات الممنوحة للتجار، ومداهمات ليلية لاعتقال الشبان. ويضاف إلى ذلك مواجهات ليلية تبدأ مع اقتحامات قوات الاحتلال في الثانية فجراً ولا تنتهي حتى السادسة صباحاً، مخلفة جرحى في كل مرة”.

ويقول أحد أهالي مدينة دورا لـ”العربي الجديد” إنه “لا أحد يتذمر من العقوبات الجماعية، في الثانية من فجر كل يوم تتجدد المواجهات التي يشارك فيها المئات من الشبان، لو كان هناك تذمر من العقوبات لما شارك المئات في المواجهات”.

ويأتي حصار دورا بعد تمكن مقاوم من قتل مستوطن وإصابة ثلاثة آخرين قرب قريتي كرمة ودير رازح جنوب دورا، في عملية إطلاق النار قبل أن يتمكن من الهرب. وتقع دورا وقراها وبلدات السموع ويطا التي تعاني الحصار والعقوبات الجماعية على شارع التفافي للمستوطنين تم تنفيذ العملية فيه.

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار