إعادة الاعتبارللنضال الفلسطيني للشروع بالعمل على خلق برنامج سياسي خلاق يتحدي الوضع الراهن: حيدر عيد

0

أصبح هناك ضرورة ملحة للشروع بالعمل على خلق برنامج سياسي خلاق يتحدي الوضع الراهن بعد أن فقدت الفصائل و القوى السياسية الفلسطينية مصداقيتها الشعبية في السنوات الأخيرة لعدة أسباب أبرزها الخيار الذي اتخذه اليمين العلماني, الممثل بحركة فتح, في الانخراط في عملية سياسية عقيمة تقوم على أساس المفاوضاتعلى حساب المقاومة, و نجاحه بجر قوى اليسار الستاليني إلى مربع أوسلو من خلال معارضة تجميلية و عملية أنجزة أفقدته, أي اليسار, الانخراط النقدي الكابح لجماح مغامرات اليمين العلماني المسيطر على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. أضف إلى لذلك غياب أي رؤية سياسية واضحة المعالم لدى اليمين الديني, المتمثل بحركة حماس, فمِن معارضة بدت و كانها مبدئية لاتفاقيات أوسلو و إفرازانها, إلى الانخراط في المؤسسات المنبثقة عنها, بل الوصول إلى تشكيل “حكومات,” تفتقد للحد الأدنى من المهنية و الكفاءة, و تقوم على أساس مبدأ القبول باتفاقيات أوسلو و حل الدولتين العنصري (مع عدم الاعتراف باسرائيل!) و هذا بحد ذاته لا يختلف عن القبول ببانتوستان جنوبأفريقي مع عدم الاعتراف بنظام الأبارتهيد!
إذاً نحن في وضع لم تمر به أي ثورة ضد الاستعمار, أو حتى حركة حقوق مدنية, من حيث غياب الرؤية و الأدوات التي تمكننا من نيل الحد الأدنى من الحقوق التي كفلتها الشرعية الدولية! فما القبول بدويلة على 22% من أرض فلسطين التاريخية, مسبوقة بمرحلة انتقالية لا تبدو لها نهاية إلا مقدمة خطيرة لتصفية القضية برمتها, مقدمة مصحوبة بانكار حقوق ثلثي الشعب الفلسطيني, اللاجئون و فلسطينيو ال48, و تشكيل هويات ميكروكوزمية متناقضة فيما تبقى من فلسطين, هويات معزولة عن محيطها, ترى في الخلاص الفردي من سجن غزة و معازل الضفة حلا يناله المحظوظون فقط!
و الآن و مع الحديث عن نهاية وهم الاستقلال من خلال طرح بعض القوى الصهيوينة الفاعلة ضم المناطق المصنفة (ج) , أي 60%من أراضي الضفة الغربية, و النية بإعلان الأبارتهيد هناك كنظامٍ رسمي, و ترك نظام الحكم في غزة منغمساً في التعامل مع مشاكل يومية مصطنعة, و إيمان مطلق بأن 1.8% من أرض فلسطين التاريخية هي نواة المشروع الإسلامي الكبير في مواجهة “مؤامرة كونية” ضد “الحكومة الربانية” التي انشغلت بطول بنطلونات المراهقين و قصات شعورهم, و التفتيش في قلوب الرجال و النساء الذين يسيرون في المناطق العامةبحثا عن علاقة آثمة تجمعهم, دون الإعلان رسمياً عن تطبيق الشريعة, مع حالة إنكار مستعصية لحقيقة أن القطاع قد تحول في أحسن حالاته إلى بانتوستان إسلامي!
و في ظل حالة الموت السريري التي يمر بها اليسار الستاليني المتأنجز, بعد رشوة جزء منه من قبل اليمين العلماني المهيمن على صناعة القرار بالكامل, و عجز “اليسار” عن مجاراة حركة التاريخ و الارتقاء إلى مستوى المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقه, و عجزه عن تشكيل قوة ثالثة ضاغطة باتجاه تفعيل مقاومة خلاقة متعددة الأوجه, و عجزه عن الانحياز الطبقى لصالح الفئات الشعبية المطحونة التي تدفع ثمن أوسلو و ما تلاها من انقسامات, بل اتباعه سياسة نيوليبرالية تقوم على تجزئة النضال الفلسطيني على أسس هوياتية ما-بعد-حداثية, من تمكين الشباب إلى تفعيل دور المرأة…الخ, لا ترى رابطاً شمولياً يجمعها!
في و سط كل هذه المعطيات تبرز حركة المقاطعة و عدم الاستثمار و فرض عقوبات على اسرائيل, بي دي أس, بشكل مستقلعن التجاذبات الفصائلية لتضع نصب عينيها أهدافاً واضحةً لكل الشعب الفلسطيني, أي بمكوناته الثلاث, بعيداً عن الخطابات الأيديولوجية الأحادية. غني عن القول أن البي دي أس, بقياداتها الفلسطينية, أصبحت تمثل نافذة أمل كبيرة على مستقبل واعد ليس فقط لنخب صغيرة “تحترف” النضال و تربطه بمصالحها الطبقية, أو نخب أخرى تقوم بتعريف المقاومة بطريقة تُقصي الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني. أضف إلى ذلك أنها الأداة الكفاحية الوحيدة التي استطاعت أن تجد حلقة الوصل المهمة بين النضال المحلي و التضامن الأممي, بمعنى أنها نجحت في نقل المواجهة من مناطق ال67 إلى الفضاء الأممي, و هذا بالضبط ما يقلق المؤسسة الصهيونية الحاكمة, كما اتضح من مؤتمر يديعوت أحرونوت (أوقفوا المقاطعة) الذي حضره كل ألوان الطيف الصهيوني و سفيري الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة.
هذا و قد استطاعت البي دي أس أن تجعل القضية القلسطينية موضوعاً مهماً في انتخابات الرئاسة الأمريكية, أي أنها نجحت في تحقيق ما عجزت عنه القيادات الفلسطينية التقليدية من يمينها إلى يسارها.
ليس من الغريب إذاً أن تحاول بعض التوجهات ذات الرؤية الضيقة التي لا تنظر إلى القضية الفلسطينية إلا من خلال نظارات أيديولوجية معتمة, إختطاف الحركة أو محاولة توجيهها لتبني برنامج سياسي مطابق لبرنامجها. ما يثير الاستغراب هو أن بعض هذه القوى لا يؤمن إلا بشكل واحد إقصائي للمقاومة, شكل يتعالى على البعد الشعبي الكفاحي الذي تميزت به حركة المقاطعة. و لكن الإنجازات المتركمة للحركة قامت بلفت الأنظار, و بالتالي و بعد أكثر من 10 سنوات من إطلاق نداء المقاطعة الشهير (2005) إستيقظت هذه القوى في محاولة لركوب الموجة, و أملاً بكسر عزلتها من خلال وضع الحركة تحت جناحيها! ناهيك عن بعض القوى اليمينية التي تدفع باتجاه تبني حل الدولتين العنصري! أو بعض القوى “الستالينية” التي “تحترم” المقاطعة لدرجة أنها تنسب كل انتصاراتها لها, مع عدم انخراط أعضائهاأو قياداتها, في الحملات المنتشرة في شطري البانتوستان.
و لكن العنوان واضح وضوح الشمس. أنظر لتصريحات القيادات الصهيونية, إقرا مقالات و اقتتاحيات الصحف الاسرائيلية, تابع تعليقات أعضاء و قيادات اللوبيهات الصهيونية. إن حركة المقاطعة العالمية تتبع توجيهات و معايير أقرتها اللجنة الوطنية للمقاطعة, و بناءاً عليه قإن كل المؤسسات و الجمعيات الأكاديمية و الثقافية التي تبنت نداء المقاطعة قامت بذلك استجابة لنداء الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لاسرائيل, العضو المؤسس للجنة الوطنية للمقاطعة.
إن محاولة ركوب الموجة بعد سبات عميق تخلله بعض القفزات البهلوانية الموسمية, و محاولة لبس ثوب البي دي أس ليومٍ أو اثنين دون العمل الجاد الدؤوب من تواصل مستمر و توجيه للحملة العالمية لا تعبر إلا عن موقف انتهازي نتيجة إما طفولة سياسية تقوم على مغامرات غير محسوبة بسبب غياب البرنامج التحرري, أو عملية أسلوة و أنجزة ترى في النضال سلعة تباع و تشترى, و ليس موقفاً جماعياً غير اقصائي مفتوح على احتمالات تعجز النظارات الأيديولجية الضيقة عن رؤيتها بشكل واضح

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار