الحوار الفلسطيني في موسكو بين ضرورات الوحدة .. وشروط التعطيل لترك الباب مفتوحاً لخيار سياسي بائس، وأسير على أوهام ومراهنات خاسرة ووعود أمريكية كاذبة.
الحوار الفلسطيني في موسكو بين ضرورات الوحدة .. وشروط التعطيل لترك الباب مفتوحاً لخيار سياسي بائس، وأسير على أوهام ومراهنات خاسرة ووعود أمريكية كاذبة.
عمر مراد
أطلّت القيادة الفلسطينية الرسمية برأسها من بوابة الدعوة للحوار في موسكو، والذي سيبدأ بين الفصائل الفلسطينية في نهاية شباط (فبراير) 29/2/2024 عبر ورقة مختصرة تم تسريبها مؤخراً، وهي نفس الورقة التي عرضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) على الأمير القطري في الدوحة أثناء الزيارة الأخيرة لدولة قطر في 11/2/2024.
تتضمن الورقة شروط قبول انضمام حركة حماس الى منظمة التحرير الفلسطينية حسب قول الرئيس أبو مازن للأمير ،جاءت الورقة تحت عنوان “المسار (الفلسطيني – الفلسطيني) المصالحة الفلسطينية” وتضمنت التالي : –
“نرحب بالدعوة مجدداً لاستكمال اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي دعا إليه الرئيس محمود عباس في نهاية يوليو 2023، وفق المبادئ التالية:
– إنهاء مفرزات الانقلاب في غزة.
– الالتزام بالنظام الواحد، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد.
– الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وببرنامجها السياسي والتزاماتها الدولية.
– الالتزام بالشرعية الدولية.
– الالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية.
– الالتزام بالحل السياسي المبني على حل الدولتين المستند لقرارات الشرعية الدولية.
– تشكيل حكومة التكنوقراط يتم بقرار من الرئيس محمود عباس، وتتولى مهامها في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
– المفاوضات بشأن التوصل لاتفاق سلام شامل هي من مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية.”
وفي قراءة سريعة للنقاط الواردة فيها نجدها تبدأ باعتبار لقاء موسكو وكأنه جاء لاستكمال لقاء العلمين في مصر رغم أنه بدعوة من معهد الاستشراق التابع للخارجية الروسية وبظروف مختلفة وخطيرة تتمثل اليوم بالعدوان الصهيوني وحرب الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة . ثم تنص الورقة على إنهاء مفرزات الإنقلاب علما بأن كل اتفاقات المصالحة كانت قد عالجت هذه القضية رغم تعثر آليات التنفيذ بسبب حسابات المصالح وذهنية المحاصصة وتقاسم السلطة . واشارت إتفاقات المصالحة السابقة أيضا الى التوافق المبدأي على النظام الواحد والقانون الواحد ،أما ما يتعلق بالسلاح الشرعي الواحد فيتوجب نقاشه والحديث عنه بعد إنجاز مهام وأهداف مرحلة التحرر الوطني ، وإلا يجب أن يكون شرطه هو مقاومة العدو حتى التحرير والعودة وحماية الانسان والمجتمع والأرض الفلسطينية . ثم اتت الورقة إلى عنوان منظمة التحرير الفلسطينية ووحدانية التمثيل ، ايضا هذه قضية حسمتها الإتفاقات الفلسطينية السابقة ولا خلاف حولها، أما إلتزامات المنظمة الدولية فهي مسألة خلافية لإرتباط الكثير من جوانبها بالمبادرات السلمية والخيار التفاوضي وإتفاق أوسلو وخاصة الإعتراف بحق “اسرائيل” بالوجود ونبذ العنف والتحريض ، عدا عن الملحقات الأمنية والإقتصادية . أماشرط الالتزام بالشرعية الدولية فلم يكن هناك أي مشكلة بذلك خاصة إذا إقترن الإعتراف بها بمدى إسنادها وتأييدها للنضال الوطني والحقوق الفلسطينية وفقا لما جاء في برامج الإجماع الوطني وفي اتفاقات المصالحة السابقة . وربما الغريب بالأمر الإصرار على شكل المقاومة وطابعها السلمي بهذه الأوقات حيث يتعرض الشعب الفلسطيني لحرب إبادة وتطهير عرقي وأخطار الإقتلاع والتهجير . والأجدر ترك خيار المقاومة بأشكالها المختلفة مفتوحا ومشرعا ،حتى لايفهم منه ولا يتم بموجبه سحب الغطاء عن الفدائيين الذين يمتشقون السلاح ويقاتلون به العدو المحتل الغاصب . وبعد ذلك تأتي الورقة للتأكيد على الإلتزام بالحل السياسي على اساس “حل الدولتين” ، ربما هناك من لا يزال يراهن على إمكانية السلام مع العدو ويتوهم بإمكانية تحصيل دولة فلسطينية مستقلة عبر المفاوضات ولايريد الإستفادة من التجارب العقيمة التي سبقت وربما هذا خياره الوحيد وهذا شأنه, أما أن يفرض ذلك على الفصائل وعلى الشعب الفلسطيني ويضعه شرطا للوحدة الوطنية فهو يريد بذلك استمرار الإنقسام وتأبيده . حول تشكيل حكومة التكنوقراط بقرار من الرئيس الفلسطيني فهذا الأمر يتم البحث فيه بعد إنجاز الوحدة الوطنية الحقيقية وتوفير الشراكة الوطنية عندها تقرر الهيئات القيادية في المنظمة شكل الحكومات القادمة، وفي كيفية التعامل مع اي مساعي سياسية جادة تضمن الحقوق الفلسطينية وتخفف المعاناة عن الشعب .
ما ورد في هذه الورقة يشير إلى غياب الموقف من عملية السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) ومن الأهداف المعلنة للعدوان على قطاع غزة، وخاصة تلك المتعلقة باجتثاث المقاومة وأنهاء “حكم حماس” وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء, وتهيئة الظروف لتشكيل إدارة مدنية في غزة تتبع للاحتلال وسلطاته العسكرية والأمنية.
كما أن الورقة تخلو من الإشارة إلى تهويد القدس، وما يجري في الضفة الغربية، وما تتعرض له المدن والقرى والمخيمات من اعتداءات واقتحامات يومية لتصفية النشطاء والمقاومين، وتمهيد الطريق لمزيد من مصادرة الأراضي، وبناء وتوسيع المستوطنات تنفيذاً لخطة “الحسم الصهيوني” أو كما يسميها الصهيوني سموتريتش “الأمل الوحيد” القائمة على ضم الأراضي وإقتلاع وطرد الفلسطينيين منها.
إذا كان الكل الوطني الفلسطيني وكل الفصائل وكذلك المستوى الرسمي والشعبي الفلسطيني مدركاً لهذه الأخطار والتحديات وموحداً في الموقف منها ومتفقاً على ضرورة مواجهتها ومقاومتها، فلماذا يتم التمسك بذات المواقف الخلافية والشروط التعجيزية والتعطيلية التي تحكم مسبقا على نتائج لقاء موسكو القادم بالفشل .
إن توقف التاريخ لدى البعض عند الإنقسام أو ما يسميه “الإنقلاب” 2007 دون النظر إلى ما حدث بعدها من حوارات واتفاقات وتفاهمات، ودون النظر إلى ما تسجله المقاومة في قطاع غزة والضفة والقدس وفي كل فلسطين من صمود وبسالة، ودون النظر إلى حجم الإسناد لشعب فلسطين من كل المقاومين في المنطقة ومن كل الاحرار في العالم، والإصرار على هذه الشروط ما هو إلا تعبير عن التمسك والاستمرار بخيار المهادنة والإستعداد للتصالح مع العدو على حساب جوهر القضية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وكفاحه المشروع.
إن إعلاء مكانة الوحدة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية تفرض على الجميع ضرورة الإرتقاء الى مستوى المواجهة والتصدي لأخطار التصفية والإبادة وأخطار التهجير والتطهير العرقي، الأمر الذي يتطلب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية فتح الباب واسعاً لمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد، والإبتعاد عن لغة الإبتزاز والتشفي ولغة إمّا الموافقة على هذه الشروط وإما أن يبقى الحال على ما هو عليه ، أي لكل طريقه وخياره.
لم يترك العدو للشعب الفلسطيني إلا خياراً واحداً وهو خيار الثورة والمقاومة، وما يجري في قطاع غزة من جرائم ومجازر وإبادة وتدمير لكل مقومات الحياة يجب أن يتحول الى قوة وعزيمة وإصرار لإعتماد خيار المقاومة وبكل أشكالها، ويجب ألا يتحول ذلك رغم حجم الدماء والأشلاء والآلام إلى عامل ضعف ومبرر للخضوع والإستسلام.
إن الشراكة الوطنية الحقيقية والبرنامج السياسي الواضح وخيار الوحدة والمقاومة فقط هو الذي يوفر الشرط الضروري والموضوعي الذي يعزز مكانة القضية الفلسطينية ، ويعيد الإعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني وللدور التاريخي المناط بمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما أن يكون السقف الفلسطيني بما ترضى عنه الشرعية الدولية والدول المانحة والراعية لعملية السلام واتفاقات أوسلو أي أمريكا ودول الغرب الإمبريالي، أو أن تكون المقاومة تحت سقف المقاومة الشعبية السلمية، هذا معناه ترك الباب مفتوحاً للخيار السياسي التفاوضي البائس، ولترك الخيار الفلسطيني أسير الرهانات على الدول الداعمة إن لم نقل الشريكة بحرب الإبادة والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق شعبنا في قطاع غزة,وتغوله في سياسة القتل والتهويد والاستيطان في الضفة الغربية والقدس.
بات على قيادة المنظمة والرئيس أبو مازن التسلح بخيار واحد يرتكز على إرادة المقاومة والصمود الأسطوري لشعب فلسطين الحامل والحامي للمشروع الوطني، وبدون رعاية مصالح الشعب والعمل على تحقيق أهدافه الوطنية، لا قيمة لمنظمة أو أي سلطة ولا معنى لأي تمثيل . تستمد الشرعية من الشعب أولا وقبل أي شيء ،ولا تتحقق بمجرد قبول المجتمع الدولي أو الغرب الإمبريالي بها.
إن الإستفادة من دروس المرحلة الطويلة من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة تستوجب عمل مراجعة تاريخية وسياسية بعين ناقدة وثاقبة، وإعلاء مكانة الحوار واحترام الرأي الأخر حتى لو كان مختلفاً حرصاً على الشراكة والوحدة الوطنية الفلسطينية.
نعم يجب توفير الأجواء الإيجابية لضمان نجاح لقاء موسكو المرتقب ليكون محطة ونقلة نوعية قياسا بكل ما سبقه من لقاءات وحوارات في مصر والجزائر .
التعليقات مغلقة.