الثورة الفلسطينية المعاصرة وحركة التحرر الوطني والديمقراطي العربي ..

الثورة الفلسطينية المعاصرة وحركة التحرر الوطني والديمقراطي العربي ..

بقلم : أسامة خليفة
وكالة إيران اليوم الإخبارية
– تندرج مسيرة حركة التحرّر الوطنيّ الفلسطينية وعلاقتها بحركة التحرر الوطني والديمقراطي العربية في المراحل التالية:

– مرحلة أولى غير واضحة المعالم حول ظهور حركة قومية عربية في فلسطين، غير مستقلة تشملها الحركة العربية الواحدة لأن فلسطين لم تكن وحدة جغرافية مستقلة أو كياناً سياسياً منفرداً، وتؤكد الحقائق التاريخية على أن الحركة القومية العربية في المشرق العربي قد تجاوزت الإقليمية في تلك المرحلة، فالمعركة في الولايات العربية العثمانية كانت من أجل حقوق العرب عامة، وكان هدف الكفاح أن تعترف السلطنة العثمانية بالعرب أمة حية ذات حقوق قومية في لغتها وإدارة أقاليمها.

– المرحلة الإقليمية حيث ألفت فلسطين مع أقاليم أخرى سوريا الطبيعية، أعلنت القوى الوطنية في سوريا الطبيعية (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) من خلال المؤتمر السوري الأول في 8 حزيران/ يوليو 1919 وحدة البلاد السورية بحدودها الطبيعية ومنها فلسطين، ورفض مزاعم الصهيونيين في جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود أو محل هجرة لهم.

– الوجهة القطرية للحركة التحررية والتي حسمها توطيد التقسيم الامبريالي بين بريطانيا التي احتلت العراق وفلسطين، وفرنسا التي احتلت لبنان وسوريا، وكان الانتداب سبباً مباشراً في بداية الحركة القومية العربية الفلسطينية، إذ انفصل القطاع الفلسطيني عن الحركة القومية العربية ليتلاءم مع ظروف التجزئة الامبريالية، عقد القوميون من فلسطين المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث، وقرروا رفض وعد بلفور ووقف الهجرة اليهودية وإنشاء حكومة وطنية في فلسطين، وبدأ الصراع التحرري واضحاً في فلسطين، وتجلا ذلك بداية في 27 شباط/ فبراير 1920 في التظاهرة الضخمة التي اشترك بها أربعون ألف مواطن طافت مدينة القدس، ثم ما تلاها من ثورات، 1936 وحرب العام 1948.

– خلال الخمسينات وحتى أواسط الستينات من القرن العشرين انهارت الأطر المستقلة للحركة الوطنية الفلسطينية، وذابت في الحركة القومية العربية الناهضة آنذاك. مرحلة اتسمت بقيادة مصر لحركة التحرر العربية، استطاعت مصر خلالها أن تحقق إنجازات مهمة على صعيد استقلالها السياسي والاقتصادي ومساعدة حركات التحرر العربية لطرد الاستعمار من البلاد العربية (استقلال الجزائر، و جنوب اليمن..)، وتصفية القواعد العسكرية الاستعمارية على أراضيها.

– مرحلة انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في مطلع العام 1965، وإعادة بناء الكيان السياسي الموحد لشعب فلسطين من خلال تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وانبعاث اليقظة الوطنية الفلسطينية في تلك الفترة، والتي ترافقت مع النهوض الصاعد لحركة التحرر الوطني العربية ودعمها المطلق للقضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية لكل العرب، مما أقلق إسرائيل ودفعها إلى شن حرب عدوانية في حزيران/يونيو 1967 لضرب هذا النهوض.

– صعود حركة التحرر الوطني الفلسطينية في أعقاب هزيمة حزيران، وتولي الفصائل الفلسطينية المقاتلة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني في تموز/ يوليو 1968، ثم انتخاب ياسر عرفات رئيساً للمنظمة في الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني في شباط/ فبراير 1969، واحتلت الفصائل والمنظمة مكانة مرموقة بين حركات التحرر العربية والعالمية، وحازت على تضامنها وتأييدها.

– مرحلة اتفاق أوسلو، فقد برزت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد توصلها إلى اتفاق أوسلو وإقامتها السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بصفتها جزءاً من النظام العربي، وهو ما أضعف تأييد قطاعات شعبية عربية واسعة لها، وترافق الوهم بحلول السلام في عقد التسعينات مع تكاثر النوائب العربية وشمولها مختلف جوانب الحياة العربية، بحيث لم تعد النكبة الفلسطينية هي النكبة الوحيدة، الأمر الذي جعل اهتمام الشعوب العربية ينصب في الدرجة الأولى على مواجهة مشكلاتها وأزماتها الداخلية، في ظل بروز ظاهرات جديدة داخل البلد العربي الواحد، عبّر عنها تزايد مخاطر تفكك الوحدة الكيانية، وتذرر النسيج المجتمعي، وتغليب الهويات الجزئية، الطائفية والمذهبية والمناطقية، على الهوية المركزية.

ومما ساهم في إفقاد القضية الفلسطينية مركزيتها على الصعيد العربي أنه لم يعد هناك إجماع عربي على أن إسرائيل وسياسات حكامها العدوانية والاحتلالية هي التي تمثل التهديد الأكبر للأمن القومي العربي بل بات هناك استعداد لدى بعض الأنظمة العربية للتحالف مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها قبل التوصل إلى سلام عادل وشامل في المنطقة.

– مرحلة صفقة القرن، وتستهدف صفقة القرن شعوب المنطقة بأسرها، فالصفقة تتحرك إلى جانب محورها الفلسطيني، على محور إقليمي، والعنوان الأشد خطورة ما يطلق عليه التطبيع الذي يعني استتباع المنطقة وشعوبها وخيراتها، للتحالف الأمريكي-الإسرائيلي، بما يشمل البعد الاقتصادي، والمالي والأمني، أي في المجمل الأبعاد الاستراتيجية، بما فيه بناء تحالفات أمنية لم تكن قائمة فيما مضى، من شأنها أن تعيد صياغة معادلات العلاقات الإقليمية في المنطقة، ما يجعل من إسرائيل دولة حليفة، في مواجهة ما يسمى الإرهاب بتعريفه الأمريكي-الإسرائيلي، أي قوى المقاومة في الميدان، وكل القوى العربية الوطنية والقومية واليسارية والديمقراطية. لذلك فإن الحالة العربية دولاً وشعوباً مدعوة لأن تخوض النضال في مواجهة الصفقة باعتبارها تستهدف المنطقة كلها، وتشكل خطراً على الحالة العربية جمعاء، وليس على الشعب الفلسطيني وحده، وهو الأمر الذي يستوجب من القوى الوطنية والقومية والديمقراطية والإسلامية، أن تبلور في أقطارها وعلى مستوى المنطقة الأطر والآليات التحالفية والتنسيقية لمجابهة مشروع التحالف الأميركي-الإسرائيلي بالمستوى الساخن الذي يتحرك عليه، وليس بما هو دونه.

إن خطر المشروع الصهيوني لا يقتصر على إبطال القضية الفلسطينية فحسب بل يفيض في خطره على الإقليم بأسره، وانطلاقاً من ارتباطه بالمشروع الامبريالي للهيمنة على المنطقة وشعوبها ونهب خيراتها.

وبالتالي لم يقتصر الصراع يوماً على حدوده الفلسطينية –الإسرائيلية، بل هو صراع عربي- إسرائيلي، تمثل القضية الفلسطينية محوره الرئيسي، ولعل الدعوة إلى مؤتمر مدريد التي لم تقتصر على الطرف الفلسطيني، بل شملت الأردن وسوريا ولبنان وبحضور مصري واضح، تشكل مثالاً إضافياً على أن حل القضية الفلسطينية لابد أن يترافق مع حل قضايا الصراع العربي-الإسرائيلي، إلى أن وصلنا إلى صفقة القرن الهادفة هذه المرة إلى حسم الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لصالح المشروع الصهيوني، ومن خلال حسم الصراع العربي-الإسرائيلي بإعلان نصر إسرائيل وتحقيق هدفها الاستراتيجي الأكبر في أن تجعل من الإقليم كله مسرحاً لنشاطها الأمني والسياسي والاقتصادي.

الدول العربية ذات التواجد الكثيف للاجئين الفلسطينيين، ينبغي أن يكون التحالف مع قوى التحرر الوطني والديمقراطي على مبدأ الاستقلالية وليس على السياسة الإلحاقية التي تميل نحو طمس استقلالية الحركة الوطنية الفلسطينية، وإهمال الضرورة القصوى لصون وإبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة، ومن جهة أخرى حسم النزعات الخاطئة الأخرى في أن تطرح فصائل المنظمة نفسها بديلاً عن حركة التحرر الوطني والديمقراطي في بلد عربي ما.

وعلى امتداد عقد من الزمن من أوائل السبعينات إلى أوائل الثمانينات القرن العشرين، مثّل التحالف بين الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية نموذجاً للتحالف الاستراتيجي المتين محققاً نجاحات هامة في التصدي للقوى والأحزاب الانعزالية وللاجتياحات الإسرائيلية، مستمداً عناصر قوة من واقع اللجوء الفلسطيني الكثيف سكانياً في لبنان، والمخيمات المنتشرة على أرضه والتي شكلت قلاعاً للدفاع عن الشعبين.

كما تقوم بين الشعبين الأردني والفلسطيني علاقات خاصة ومميزة أرضاً وشعباً، مما طرح على القوى الوطنية للشعبين بلوّرت الأسس المبدئية لمنظور سليم في معالجة مسألة العلاقة بين الشعبين وحركتيهما الوطنيتين والتي محور تحالفهما تمثلها مهمة النضال المشترك ضد الاحتلال والتوسع الإسرائيلي، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الدولة المستقلة والتمثيل المستقل عبر منظمة التحرير الفلسطينية، ودعم المهمة التاريخية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني في إنجاز حل ديمقراطي جذري للمسألة الوطنية الفلسطينية، وإزالة أشكال الاضطهاد القومي التي يتعرض لها شعب فلسطين باستعادة كامل حقوقه القومية وتجسيد حقه في تقرير مصيره بحرية على أرضه، ورفض الخيار الأردني – الفلسطيني، كحل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، والمطروح والذي يعاد طرحه من قبل إسرائيل وأمريكا كلما تعثرت المفاوضات مع الفلسطينيين.

إن إسرائيل والحركة الصهيونية تشكل تهديداً دائماً للاستقلال الوطني للشعوب العربية وعقبة في طريق طموحها إلى الانعتاق والتقدم الاجتماعي والوحدة، كما أن مجابهة التحالف الامبريالي الصهيوني، وإلحاق الهزيمة به تتطلب التعبئة الشاملة لطاقات الشعوب العربية التي هي رهن باستكمال انجاز مهمات تحررها الوطني الديمقراطي ووحدتها، إن مصلحة توفير شروط انتصار الثورة الفلسطينية تجعل منها بالضرورة جزءاً عضوياً من حركة التحرر الوطني العربية وفصيلاً رئيسياً من فصائلها.

رغم ما يجري في المنطقة العربية من سياسات أنظمة عربية تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل، إلا أن مكانة القضية الفلسطينية عند الشعوب العربية مازالت تعتبر جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وحل هذا الصراع باستعادة الحقوق الوطنية لشعب فلسطين هو محور رئيسي من محاور نضال الشعوب العربية من أجل التحرر الوطني والديمقراطية والتنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية والوحدة السياسية.

لقد أدارت السلطة الفلسطينية ظهرها، ومازالت، للقوى السياسية والمجتمعية الوطنية والديمقراطية واليسارية والاسلامية في البلدان العربية، واكتفت بالعلاقة مع الأنظمة العربية، فغابت عن المشهد صورة « الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية» التي كانت قائمة بدور نشط وفعال في فترة السبعينات والثمانينات القرن الماضي، فخسرت منظمة التحرير الفلسطينية عمقها العربي الشعبي، وأخذت تتصرف كما تتصرف الأنظمة، حيث تقمصت دور النظام العربي الرسمي، في محاولة فاشلة لمحاكاته، ونسيت، أو تناست، أنها حركة تحرر وطني، لم تنجز مهماتها في التحرر من الاحتلال بعد، كان هذا واضحاً على كل صعيد، بما في ذلك على مستوى السفارات الفلسطينية المنتشرة في قارات العالم الخمس ودورها المفترض، باعتبارها سفارات لحركة تحرر وطني، من الضروري أن يختلف دورها ويتمايز عن سائر السفارات التابعة لبلدان مستقلة.

لم يكن الموقف من القضية الفلسطينية عاملاً من العوامل التي أطلقت الحراكات الشعبية العربية في نهاية العام 2010، وأصبح من النادر أن ترفع التظاهرات التي شهدتها العواصم العربية شعارات معادية لإسرائيل، أو شعارات مؤيدة لفلسطين وشعبها، والحركات الإسلامية التي ركبت موجة هذا الحراك، لم تتبنَ تجاه القضية الفلسطينية سياسات مغايرة لسياسات الأنظمة القديمة، تكون منسجمة مع الشعارات التي كانت ترفعها قبل اندلاع هذه الحراكات.

في تصويب العلاقة مع قوى حركة التحرر العربي، ثمة أولوية لتصحيح العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وقواها الرئيسية، وبين قوى حركة التحرر العربية وجميع الأحزاب والقوى السياسية، والمؤسسات المجتمعية العربية، والقيام بمراجعة نقدية لهذه العلاقة، التي تضررت كما هو واضح بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، حيث وقعت القيادة الرسمية في تقديرات خاطئة للوضع وآفاق تطوره، فأهملت تعبئة طاقات الشعب الفلسطيني في الخارج، إن في مخيمات اللجوء والشتات، أو في بلدان الهجرة والاغتراب، ما يعني أنها أدارت الظهر لنصف الشعب الفلسطيني، وأسقطت دوره المؤثر في معادلة الصراع.

على الصعيد العربي السعي إلى إبراز الطابع التحرري لمنظمة التحرير الفلسطينية والعمل على تعزيز صلاتها بقوى التحرر العربي المناهضة للامبريالية وقوى الظلام التكفيرية الرامية إلى تمزيق دول المنطقة وشعوبها على أساس طائفي ومذهبي، وإعادة ترسيخ الخطر الذي تمثله اسرائيل والصهيونية على البلاد العربية في الوعي الشعبي العربي العام، بما يمهد طريق عودة القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العربي، وإحياء التضامن الفعال مع النضال الوطني الفلسطيني.

إن الخروج من مأزق التخلف والعجز والإقلات من الحلقة المفرغة للتبعية والتخلف وكل ما يتهدد مصير الشعوب العربية ومكانتها في عالم اليوم من مخاطر، مرهون بنهوض تحالف عريض يضم أوسع القوى الوطنية والديمقراطية واللبرالية والعلمانية، وفي القلب منها قوى الطبقة العاملة كقيادة جديدة وكفؤة لحركة التحرر العربية.

يجب تفعيل دائرة العلاقات العربية وتقديم كل الدعم الذي يمكنها من استعادة نشاطها، وإحياء شبكة علاقاتها مع الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية في جميع البلدان العربية، ويجب التشبيك مع حركة المقاطعة العاملة في البلدان العربية وفي العالم، بل يجب أن تكون قاطرة لعملها ورافعة لنشاطها، لاستنهاض حالة عربية ودولية مناهضة لمشاريع التطبيع.

وإن كان مطلوباً منا أن نعيد تقييم علاقاتنا ودورنا في إطار جامعة الدول العربية فيجب من باب أولى أن نصحح علاقاتنا مع حركة التحرر الوطني العربية لنخوض معها وبها معركة التصدي لهذا التطبيع المذل والمهيمن مع دولة الاحتلال.

– باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار