أمام الفلسطينيين فرصة تاريخية ذهبية، فليسارعوا إلى اغتنامها قبل ضياعها‎..‎ومدتها الزمنية قبل نهاية العام القادم

أمام الفلسطينيين فرصة تاريخية ذهبية، فليسارعوا إلى اغتنامها قبل ضياعها‎..‎ومدتها الزمنية قبل نهاية العام القادم

هاني المصري
أزعم أن أمام الفلسطينيين فرصة تاريخية ذهبية، يمكن أن تتسع مساحتها، ويمكن أن تغلق، والمدة الزمنية اللازمة للحكم على أنها هل ستوظف لصالح الشعب الفلسطيني أم لا، تستمر من الآن وحتى نهاية العام القادم، وذلك بناء على النقاط الأربع الواردة أدناه.

أولًا: العالم القديم ينهار وعالم جديد يطل برأسه

لا بد من الانطلاق من أن الفرصة التاريخية بدأت تلوح في الأفق بعد الحرب الأوكرانية، واتضاح المعايير الدولية المزدوجة في التعامل مع الشعب الفلسطيني المحتل منذ 75 عامًا، وخاضع لاستعمار استيطاني عنصري ارتكب كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية، ولم يحاسب، بل يتم التعامل معه جراء الحماية الأميركية والغربية بوصفه دولة فوق القانون الدولي، وبعيدًا عن المحاسبة والعقوبات والعزل، فهو لم ينفذ أي قرار ضدها، على الرغم من صدور مئات القرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة والوكالات الأممية التابعة للأمم المتحدة.

ولكن بحكم الانحياز للجلاد على حساب الضحية، لم تظهر بوادر هذه الفرصة التاريخية بوضوح؛ أي لم يُمكن توظيفها إلا بعد أن ساهمت الحرب الأوكرانية وتداعياتها في وضع نهاية للنظام الدولي الأحادي القطبية، وبداية ظهور نظام عالمي جديد لم تتضح وتتبلور معالمه بشكل واضح وكامل حتى الآن؛ حيث يمكن أن يكون ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب أو نظامًا جديدًا، نعرف على الأقل أنه لن تتحكم فيه دولة واحدة، وسيكون أفضل أو أرحم أو أقل سوءًا من النظام الأحادي القديم، الذي مارست فيه الولايات المتحدة كل أنواع الظلم والتمييز والهيمنة والاستغلال والحروب والتجزئة، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، التي احتلت مكانة واسعة ضمن المخططات الأميركية.

ثانيًا : الأزمة الإسرائيلية البنيوية العميقة المستمرة

تمر إسرائيل منذ بداية هذا العام بأزمة بنيوية عميقة غير مسبوقة، ومرشحة للاستمرار – حتى لو تم التوصل إلى تسوية – لمدة طويلة، إن لم يكن إلى الأبد. وبدأت هذه الأزمة مع تشكيل حكومة إسرائيلية هي الأكثر تطرفًا منذ تأسيس الكيان الاحتلالي وحتى الآن، وهي أزمة عمقت نقاط الضعف الإسرائيلية، وجعلت إسرائيل أضعف من أي وقت مضى، من دون نسيان أنها دولة نووية ومتفوقة عسكريًا واقتصاديًا وأمنيًا وتكنولوجيًا، وترتبط بعلاقات عضوية مع أقوى دولة في العالم؛ حيث بات الصراع مفتوحًا بين التيار والأحزاب المؤسسة لإسرائيل والعلمانية والليبرالية الإشكنازية، وبين الأحزاب القومية والدينية الأكثر تطرفًا، التي تريد إقامة دولة الشريعة على أنقاض الدولة الليبرالية اليهودية التي مثلتها إسرائيل حتى الآن.

ومن لا يصدق ما ذهبنا إليه، فلينظر إلى المظاهرات التي تشهدها المدن الإسرائيلية منذ بداية هذا العام، التي وصلت يوم 27 آذار الماضي إلى حافة العصيان المدني، وربما الحرب الأهلية، لولا التراجع المؤقت للحكومة بعد التدخل الأميركي غير المسبوق عن إقرار القوانين التي تحكم سيطرتها على سلطة القضاء بعد أن سيطرت على السلطتين التشريعية والتنفيذية. وخلال الفترة القادمة التي لن تزيد من الآن وحتى نهاية العام القادم، كحد أقصى، سيتضح هل ستتوصل الأحزاب المختلفة داخل الحكومة والمعارضة إلى تسوية تهدئ الوضع الداخلي والخارجي المتفجر إلى حين تفجرها مرة أخرى أم لا؟

في هذه المرحلة، سيتضح هل ستصمد الحكومة أم تنهار وتشكل حكومة واسعة، وربما وحدة وطنية، خصوصًا إذا اختارت الحكومة الحالية تصدير أزمتها إلى عدو خارجي يتفق الطرفان على عداوته، وضرورة محاربته؟ وفي ظل هذا السيناريو يجب الاستعداد لعدوان عسكري على الفلسطينيين، وبصورة أقل لحرب مع حزب الله، وربما بصورة أقل بكثير لحرب إقليمية.

وفي هذه المرحلة المشار إليها، التي ستمتد حتى نهاية العام القادم، ستظهر نهاية أو امتداد الحرب الأوكرانية، ولصالح من، وانعكاساتها الكاملة على النظام الدولي، وإلى أين ستصل المنافسة الصينية الأميركية التي عنوانها تايوان، ولكن في جوهرها الصراع على من سيقود العالم الجديد، وعلى أي أسس وقواعد؟

كما ستشهد هذه المرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني 2024، التي إذا نجح فيها الحزب الجمهوري برئاسة دونالد ترامب أو مرشح جمهوري آخر شبيه به، فهذا سيعطي دعمًا كبيرًا وإكسير الحياة للحكومة الكهانية، وهذا ينذر إذا لم يتم التقاط الفرصة التاريخية بنهايتها؛ إذ ستكون بدلًا منها مخاطر أكبر، تتمثل في تطبيق مخطط الضم والتهويد والتهجير والفصل العنصري والعدوان العسكري.

ثالثًا: التغيرات الإستراتيجية التي يشهدها الإقليم

يشهد الإقليم تغيرات إستراتيجية بين الدول العربية، والخليجية تحديدًا، وبين إيران وتركيا؛ حيث أصبح الأعداء أصدقاء وحلفاء، وأصبحت الدول الخليجية، وبشكل خاص السعودية، تتبنى سياسة جديدة، تنوع فيها في علاقاتها بين الشرق بزعامة الصين وروسيا، وبين الغرب بزعامة أميركا، وتسعى إلى تصفير الأزمات من الحرب اليمنية، مرورًا بلبنان وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وليس انتهاء بلبنان وفلسطين.

أظن وليس كل الظن إثمًا، أن العام الحالي، وفي الحد الأقصى العام القادم، سيتضح هل تستطيع الدول العربية أن تشق مسارًا جديدًا تستعيد فيه المكانة لبلدانها وللدور العربي؛ حيث تأخذ مكانها اللائق بها في خريطة العالم الجديد، أم ستستطيع أميركا وإسرائيل والأطراف الأخرى الداخلية والخارجية المنزعجة والمتضررة من المسار العربي الجديد إعادة الوضع إلى ما كان عليه، وأسوأ، أو مع بعض التغييرات الشكلية والتكتيكية؟ وليس من السهل إعادة التغييرات الحاصلة في المنطقة إلى الوراء، خصوصًا أن دوافعها كثيرة، ولدى مختلف الأطراف، وبدأت منذ سنين عديدة.

رابعًا: الهبات والموجات الانتفاضية التي تشهدها فلسطين

تشهد فلسطين منذ العام 2015 هبات وموجات انتفاضية متلاحقة شعبية ومسلحة، أبرزها هبة الكرامة وسيف القدس في أيار 2021، وانطلاق موجة انتفاضية منذ آذار 2022، أكبر من سابقاتها خلّفت أكثر من 50 قتيلًا إسرائيليًا ومئات الجرحى، جراء عمليات مقاومة معظمها فردية يعترف الاحتلال أن من المستحيل منعها، إضافة إلى تشكيل كتائب مقاومة مسلحة في جنين ونابلس وغيرهما من المناطق.

لقد عجزت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أمام هذه الظاهرة، وعلى الرغم مما تعانيه من ثغرات وأخطاء وعدم وجود حاضنة فكرية وسياسية وتنظيمية وقيادية وبرنامجية، فإنها تدل على أن الشعب الفلسطيني، كالعادة، يأخذ أكثر وأكثر بزمام المبادرة للدفاع عن قضيته وحقوقه ووجوده، لا سيما بعد نشوء فراغ ناجم عن وصول الإستراتيجيات المعتمدة سابقًا إلى طريق مسدود، وبعد وقوع الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي والمؤسسي، الذي يعبر عن نفسه بأسوأ صورة من خلال وجود سلطتين متنازعتين، يطغى التنافس والصراع بينهما على أي شيء آخر.

واستمرت هذه الموجة، وأخذت أشكالًا جديدة، وصلت إلى حد ما شهدته المقاومة الشعبية والمسلحة في رمضان الجاري، خصوصًا تنفيذ عمليات إطلاق صواريخ من لبنان وقطاع غزة وسوريا، في مناورة بالذخيرة الحية، لاختبار مدى الضرر الحادث في الردع الإسرائيلي جراء الأزمة البنيوية التي تشهدها إسرائيل؛ حيث أظهرت ضعفها، وأنه ضرر جسيم، من دون أن يعني أبدًا فقدانها القدرة على العدوان لترميم الردع الإسرائيلي.

ولندرك مدى الضرر الحادث، نشير إلى أن نظرية الردع الإسرائيلية كانت تقوم على أركان عدة، أبرزها: الاحتفاظ بزمام المبادرة بالهجوم، وحصر المعركة في الجبهة الداخلية للعدو بعيدًا عن جبهته الداخلية، وحسم المعركة بسرعة لصالحه، والاحتفاظ بالكلمة الأخيرة في ميدان المعركة، فكم تبقى من هذه النظرية في ضوء قراءة ما يحدث في المعارك السابقة؟

رسالة إلى الرئيس وقطبَيْ الانقسام (فتح وحماس)

حتى تستطيع فلسطين استثمار الفرصة التاريخية قبل ضياعها، أو استنفادها، لا بد من إجراء تغيير بنيوي شامل في المؤسسة، والرؤية، والخطاب السياسي، وآلية اتخاذ القرار، والمتحكمين فيه؛ حيث تعتمد أسس الشراكة الحقيقية لمختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، على أسس وطنية وديمقراطية، وبما يحقق إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الكيان الوطني وتوحيدها وتفعيلها، لتصبح قولًا وفعلًا الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني؛ لأن استمرار الانقسام، وتعمقه، ووصوله إلى انفصال، وإلى المزيد من الشرذمة والانقسام؛ لا يمكن أن يوظف الفرصة المتاحة، بل ستتضاعف المخاطر والتحديات التي يمكن أن تأخذ في طريقها ما تبقى من مكاسب فلسطينية، بما فيها وحدانية التمثيل الفلسطيني؛ حيث سيتقدم الخيار الإسرائيلي والخيارات والبدائل العربية والدولية لتحل محله في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار