المصالحة الخليجية: اتفاق في خطوة أولى على فتح الأجواء بين قطر والسعودية، بإنتظار استمرار الجهود الكويتية الأمريكية للوصول لحل مقبول.

دمشق – نضال الشعب – فاطمة الغول
سبق الدخان الأبيض القمة الخليجية في محاولة لإضفاء أجواء ايجابية على الاجتماع المنتظر طويلاً، حينما أعلن وزير الخارجية الكويتي قبل أقل من 24 ساعة من اغلاق الأبواب الخليجية التوصل إلى اتفاق على فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين السعودية وقطر، لترد الدوحة عليها بالإعلان عن نية الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بترؤس وفد دولته في اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية، التي وصفها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالقول بأنها “قمة جامعة للكلمة موحدة للصف ومعززة لمسيرة الخير والازدهار”.
وبالمعيار ذاته، فإن مستوى تمثيل وفود الدول الخليجية المشاركة في القمة، تعتبر المرآة الأوضح لمواقفها من المصالحة الخليجية-القطرية متوترة المسار صعوداً وهبوطاً منذ أن طرحت الكويت فكرتها للمرة الأولى قبل عام. ورغم اختلاف مواقف الدول المعنية وشروطها لتطبيع علاقتها مع الدوحة، فإنها تجتمع في بندين رئيسيين يشكلان أساس هذا الانقلاب المفاجئ في الموقف من “الشقيق الضال”.

المصالحة الخليجية مطلب أمريكي
أبى راعي اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يترك كرسيه لخلفه الديمقراطي، إلا محققاً للرؤية، التي لطالما تحدث عنها في ضرورة بلورة موقف خليجي موحد من القضيتين الأساسيتين اللتان تشغلان واشنطن في المنطقة:
1- التأكد من اخراج إسرائيل من عزلتها الإقليمية عبر استكمال خطوات تطبيع الدول العربية معها تمهيداً لضمان أمنها القومي والجغرافي وتطورها الاقتصادي.
2- اطباق الحصار على إيران، وقطع أحد الشرايين الاقتصادية الهامة بالنسبة لاقتصادها المتعثر عبر منعها من الاستفادة من عائدات حركة الطيران من وإلى قطر، اضافة لحركة البضائع والتجارة إلى البلد الغني بالطاقة والفقير بعدد سكانه.
تعرف قطر بكونها الدولة العربية الرائدة التي تجرأت على اتخاذ أول خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل، حينما قامت بافتتاح مكتب اسرائيلياً على أراضيها في تسعينات القرن الماضي، ليشكل إلى جانب القاعدة الأمريكية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط ركني أمنها القومي قبيل الانطلاق نحو لعب دور أكبر مو قدراتها الجيوسياسية في الملفات الإقليمية الشائكة كالصراع العربي الإسرائيلي والحرب في أفغانستان وحتى النزاعات الأفريقية، بمباركة ودعم غربي وقبول عربي وخليجي بشكل خاص.
أدى تصاعد هذا الدور واتساع الأحلام القطرية وتزاوج إدارتها مع الإسلام السياسي، إضافة إلى وصول الأمراء الشباب إلى مفاصل قيادية في السعودية والإمارات وغيرها من الدول، إلى صحوة خليجية بخطورة الدور الكبير للجزيرة الصغيرة، الذي بات يهدد عروشاً ملكية تمكنت الدوحة من سحب البساط من أسفلها وتولي مهام كانت لعقود مضت من اختصاصها، فكانت الشروط الخليحية للدول الأربع التي أعتبرت تحركات الدوحة مشبوهة ومهددة للأمن والسلم الخليجي.
وإن كانت الخطوة الأولى على طريق المصالحة، المتمثلة بفك الحصار السعودي فقط عن قطر، لا تعتبر حتى الآن مؤشراً قوياً على انتهاء التوتر الخليجي القطري، إلا أنها تعتبر مؤشراً هاماً على نية كلا الطرفين في فتح صفحة جديدة في العلاقات المجمّدة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
لكن رغم ذلك فإن ما يفرق الأطراف حتى الآن أكثر ما يجمعهما وهو ما ينذر بمسار طويل وشاق مهدد بالعودة إلى نقطة الصفر في أية لحظة، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار مغادرة ترامب وصهره كوشنير عراب الاتفاقات الأخيرة، الذي أعلن عزمه حضور قمة اليوم أيضاً، البيت الأبيض، ما يعني غياب محرك هذا المسار وراعيه. واذا أضفنا إلىه الموقف الأكثر مرونة الذي يتوقع أن يتبناه الرئيس الأمريكي القادم بايدن اتجاه إيران، اضافة لمؤشرات تبدل الأولويات الأمريكية في عهده فإن فرضية تعثر هذا المسار تكتسب قوة أكبر وتجعلها حاضرة على رأس قائمة الحسابات السياسية.

المصالحة هدف خليجي مشترك أيضاً
من المفهوم السعي القطري نحو انجاح المصالحة، كصاحبة مصلحة أساسية في رفع الحصار عنها، والذي أدى طوال أكثر من ثلاث سنوات إلى استنزاف اقتصادي لمقدرات البلاد المالية الوفيرة، فإن نجاح الدول الرئيسية الأربعة والمتمثلة بالسعودية والإمارات ومصر والبحرين، في إبعاد خطر الإسلام السياسي عن دولها وتقويض تحركان داعمه الإقليمي الأول، أنقرة، في المنطقة عن قطر عبر سحب ذرائع الدوحة في الاعتماد عليها تعتبر من أهم أهداف هذا التقارب الأخير، الذي يتوقف نجاحه على مدى استعداد “الجزيرة المشاكسة” في الانصياع للشروط والمطالب الخليجية.
وإن كانت السعودية قد تنازلت، حسب تسريبات سبقت عقد القمة، عن بند اغلاق قناة الجزيرة كأحد الشروط المطلوبة لفك الحصار عن الدوحة، وهي التي اتسنفرت منذ الأزمة بأخبارها وبرامجها المركزة على “قصف طائرات التحالف لمدنيي اليمن” و”جريمة اغتيال الخاشقجي” و”التجاوزات على الحريات وحقوق الإنسان في مصر” و”السجون السرية الإماراتية” وغيرها، إلا أن استعداد السعودية نفسها، والدول المقاطعة الأخرى لتقديم مزيد من التنازلات في بنود القاعدة التركية في قطر، وعلاقة الدوحة مع طهران والإخوان المسلمين، وغيرها من النقاط الإشكالية، يبدو بعيداً عن المنطق حتى الآن، خاصة حين الأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة تلك البنود على الأنظمة السياسية المذكورة ما يجعل من عدائها لقطر ايديولوجياً يتجاوز حدود الخصومة السياسية أو المرحلية.
وبانتظار ما سيسفر عنه اجتماع اليوم، يمكن الجزم، وفق المعطيات الحالية، بأن المصالحة الخليجية-القطرية لم تنضج بعد ولا زالت بحاجة إلى وساطات كويتية وأمريكية متلاحقة للوصول إلى حل مقبول من قبل كافة الأطراف في ظل عدم استعداد أيا منها التراجع عن مواقفه المعلنة إلا في نطاق ضيّق وبعيداً عن النقاط الجوهرية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار