“الفرق بين تحرير فلسطين والتحرر من فلسطين”

“الفرق بين تحرير فلسطين والتحرر من فلسطين” الجواب عند السيد: نارام سرجون

هل تستحق فلسطين كل هذه التضحية وهذه الخسائر؟ لم لانعيش وننسى هذه الفلسطين؟ اننا تعبنا ولم يعد لنا عذر في هذا العناد .. وهذا اعادة تعويم لعبارة الجزيرة الشهيرة على لسان مهرجها فيصل القاسم (هلكتونا بفلسطين) .. هذا بعض مما تنشره الجيوش الالكترونية العبرية المستعربة بيننا عبر وسائط التواصل الاجتماعي الى جانب صور الفقر في محور بغداد دمشق وطوابير الخبز والفساد وتلقى تجاوبا ونقاشات وتستدرج الناس من بوابات معاناتهم اليومية الى هذا النوع من السجالات .. ولكن اي هي الحقيقة؟؟

الجواب كان في مقابلة السيد حسن نصرالله .. فأنا تابعت كل مقابلة السيد حسن نصرالله ولكني أعتبر أن أهم ماقاله على الاطلاق هو انه أمسك بقلب المشكلة ووضع أصبعه على الجرح وهو أن حربنا في المنطقة ليست معركة محدودة في الجولان او سورية او جنوب لبنان .. والى كل من يظن ان معركة سورية كانت بسبب فلسطين فقط فليعلم انه واهم .. والى كل من يظن ان التخلي عن فلسطين هو انقاذ لسورية هو واهم .. والى كل من يظن أن الجنة تحت أقدام السلام فهو واهم .. وأن الفساد سيموت بالسلام فهو واهم .. بل ان معركة سورية ضد الارهاب وغيره كانت ستحدث سواء رفعنا شعار تحرير فلسطين ورفض التطبيع أم لا .. لأن المقصود هو الدور الذي تمثله سورية الطبيعية .. هذه البقعة المهمة من العالم ودور شعبها وحضارته .. ولن يتوقف مشروع الغرب الذي بدأ في فلسطين الا عندما يتم افراغ هذه البقعة من سكانها وثقافتهم .. عبر تهجيرهم بالحروب والنزاعات على مراحل .. وعندما تنتهي مرحلة استقرار اسرائيل الحالية ستبدأ مرحلة أخرى .. وهذه مشاريع لانراها في سنوات بل في عقود .. فالهنود الحمر عقدوا 6000 معاهدة سلام كلها شبيهة بكامب ديفيد واوسلو .. والنهاية كانت كما نرى اليوم .. عالم بلا هنود حمر الا في الحكايات واستوديوهات هوليوود وفي متاحف الجماجم والعظام ..

ليس هناك فرق بين تحرير فلسطين والتحرر من فلسطين الا في تدوير الكلمات والاهداف وبهلوانيات الفلسفة واللسانيات .. وللأسف فلافرق اليوم بين فلسفة المعركة في صفين وفلسطين .. فمنطق تدوير فلسفة المعركة هو ذاته .. فمنطق التطبيع والسلام يقول للعرب والمسلمين ان من أخرجهم لتحرير فلسطين هو من يقتلهم وليس من اغتصب فلسطين .. وعليهم فقط ان يغيروا معركتهم من تحرير فلسطين الى التحرر من فلسطين .. والتحرر من فلسطين يعني ان نحارب من يريد أخذنا الى تحرير فلسطين .. معركتان متناقضتان ولكن نتنياهو والصهيونية يتقدمان في مشروع الأسرلة الذي يريد ان يقول ان زمن التحرر من فلسطين قد أتى وأن زمن تحرير فلسطين صار موضة قديمة لاتناسب العصر .. وان العدو هو من سيبقى في مجال تحرير فلسطين ولاينتقل الى التحرر منها ..
نتنياهو يحاربنا اليوم بضحاياه من العرب والمسلمين والسوريين .. تماما كما حارب معاوية عليا بالمسلمين أنفسهم الذين حارب عليّ من أجلهم طوال حياته منذ ان كان صبيا يفتدي الرسول .. ولافرق بين فتوى السلام ودعوة التخلي عن فلسطين وبين تلك الفتوى التي أطلقها معاوية بن أبي سفيان ضد خصمه علي عندما فوجئ ان عمار بن ياسر في صف علي وهو من بشره النبي ان من يقتله هو الفئة الباغية .. يومها دوّر معاوية بذكاء العبارة واعادها رمحا في صدر عليّ وجيشه .. وقال انما قتله من أخرجه من داره لحربنا .. فما هو الفرق بين هذه الفتوى وبين فتوى المطبعين ودعاة الاعتدال والسلام من ان من يقتلنا هو من يخرجنا لتحرير فلسطين وأن من يجعلنا فقراء هو من يخرجنا لحرب فلسطين .. وأن من يريد طوابير الخبز هو من سيبقى ينظر الى فلسطين .. وليس من يحتل فلسطين هو من يقتلنا ومن يجعلنا فقراء ويحاصرنا في اساسيات الحياة ..

واليوم يثمر مشروع الاسرلة فراخا لكامب ديفيد المصرية وانتشارا لفكرة ان الخلاص ليس في تحرير فلسطين بل التحرر من فلسطين .. وأن هناك جيوشا الكترونية تعمل لايصال قناعات غير حقيقية وهي اننا نضيع دماء ابنائنا واموالنا ونحرق بلادنا من أجل فلسطين .. ويتساءل الناس هل تستحق فلسطين ان نخرق من أجلا عدة بلدان عربية؟؟ ..

في قلب هذه العبارة سنجد أن كل الصراع في الشرق يتلخص في فهم هذه العبارة .. فالقضية ليست بين فلسطينيين واسرائيليين .. بل ان نقطة الاحتكاك الرئيسية بين الشرق والغرب هي فلسطين وهي سر الصراع .. والاسرائيليون هم ادوات الغرب في هذا الصراع على الشرق منذ حملة نابوليون الى اليوم .. ففكرة انشاء كيان لليهود في فلسطين هي فكرة نابوليون بونابرت لشطر الشرق الى شطرين .. ومن يومها بدأت أوروبة تفكر بهذا المشروع الى ان انطلق بعد حملة نابوليون على مصر وولد في مؤتمر بال اليهودي في سويسرا بعد ذلك .. ومااسرائيل الى المرحلة الاولى فقط ..
الغرب نجح في اخفاء حقيقة الصراع بيننا وبينه وحولها الى انها صراع بين شعبين من أجل ملكية أرض واحدة ستنتهي بنهاية حق احدهما .. ولكن الحقيقة هي ان اليهود مكلفون ومدفوعون من قبل الغرب للمجيء والقيام بمشروع اسرائيل الذي هو مشروع غربي 100% بدأ في رأس بونابرت .. لأن الغرب يدرك ان الحضارات كانت تنكسر من نقطة التقاء آسيا وافريقيا .. ومن يمسك بهذه المنطقة سيمسك بأقدار الحضارات .. وأن الحضارة الغربية اذا ارادت البقاء فعليها ان تمسك بالشرق من هذه النقطة تحديدا ..
الاسرائيليون اليهود لايختلفون عن الدواعش الذين هاجروا الى ارض الخلافة .. وفي ظنهم انهم يعودون الى ارض الميعاد (أو ارض مملكتهم التي هي نسخة اصلية عن فكرة العودة الى أرض الخلافة على نهج النبوة) ..

استمرارنا في العداء لاسرائيل ليس لأننا نريد ان نعيد فلسطين بل لأننا لانريد لاسرائيل -والغرب من ورائها- ان تستولي على سورية ومصر والعراق وكل هذا الشرق .. لأن هناك الكثيرين ممن أعياهم الفقر والمعاناة واتعبتهم الحرب صاروا يصدقون خطابات التطبيع والسلام .. ويظنون اننا كنا نقاتل من أجل فلسطين فقط واننا ندفع الثمن من أجل فلسطين .. وأن علينا ان نكتفي بسورية ونحافظ عليها .. وأن هذا الشعب هو الذي يستحق ان ندافع عنه وأن نريحه من القتال والحصار ..
البعض صار يرى أن مانراه من تطبيع عربي شبه شامل لم يعد يترك لنا عذرا على الاطلاق في التخلف عن هذا الركب للتخفيف من معاناة السوريين وانهاء هذه المرحلة الصعبة .. وأن قانون قيصر يدخل كل بيت من بوابة فلسطين ويثقب القلوب بمسامير الألم التي ثقبت يدي السيد المسيح ..

وهنا فاني اقول بأن علينا أن نصارح شعبنا بأن نقول بأن مركزية فلسطين وسر الصراع الوجودي هو فلسطين .. ومن السذاجة أن يظن أحد منا أن كل مشاكلنا ستحل وتنتهي بمجرد ان أنهينا مشروع الصراع مع اسرائيل .. والحقيقة ان مجرد هذا التوجه يعني ان سورية كوطن انتهت .. ولافرق بين من يريد ان يتخلى عن فلسطين لأنها جرح التأم ولأنها بيد (أهل الكتاب اليهود) وبين من يريد ان يتخلى عن لواء اسكندرون لأن اللواء صار جرحا بعمر جرح فلسطين ويجب أن يلتئم .. كما انه أرض تحت حكم أهل الكتاب المسلمين أيضا ..

الأوطان التي تباع بالمفرق لاتستمر .. وفي كل عشر نوات نتخلى عن قطعة بحجة ان بعضنا تعب وأن هناك جيلا يريد أن يعيش .. جيل اضاع فلسطين .. وجيل اضاع لبنان والاردن .. وجيل اضاع اللواء .. وكان هناك جيل يريد ان يضيع حلب ودير الزور بحجة ان الفراق صار قدرا في المحنة السورية الاخيرة ..
الى كل من يظن ان السلام سيحل بنا اذا انتقلنا من فكرة تحرير فلسطين الى التحرر من فلسطين عليه ان يجيب .. هل مصر اكثر ثراء ام أكثر فقرا؟؟ هل مصر تقدر ان تأكل مما تزرع ومما تصنع وتلبس مما تنسج أم انها صارت تأكل مما لاتزرع .. وتنتظر القمح المحمول في عرض البحر وليس قمح النيل؟ .. وهل مصر ستشرب من النيل ام من سد النهضة بعد اربعين عاما من السلام؟؟ وهل استفاد العراقيون من اسقاط من كان يقول بتحرير فلسطين؟؟ وهل تذوق الليبيون السلام رغم ان القذافي سلم سلاحه وانسحب من المعركة واكتفى بالكلام عن فلسطين؟؟
المعركة مستمرة طالما ان اسرائيل كمشروع غربي لايزال موجودا .. ومشروعا يتقدم .. ولا خيار الا في دحره دحرا نهائيا .. مهما تعب المتعبون .. من الجوع والطوابير وحديث الفساد والفاسدهين .. فكل شيء ينتهي بزوال اسرائيل وليس بالحفاظ على قطع من سورية ومزق منها ..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار