( جمال الدّين الأفغاني ) و ( محمد عبده ) ” صفحات مجهولة من تاريخ قادتنا النّهضويين الإسلاميين ” 《 الحلقة الثالثة والأخيرة ” 3 من 3 ” 》

( جمال الدّين الأفغاني ) و ( محمد عبده )
” صفحات مجهولة من تاريخ قادتنا النّهضويين الإسلاميين ”
《 الحلقة الثالثة والأخيرة ” 3 من 3 ” 》
د . بهجت سليمان
وبقي لنا أن لا نتساءل ولا نستغرب ، لماذا تحولت نهضتنا إلى سقوط .. طالما أن ” قادة النهضة ” كانوا صنيعة المخابرات البريطانية ، ومهمتهم التمهيد لنقل العرب والمسلمين من الاستعمار العثماني إلى الاستعمار الأوروبي !!

21▪︎ في الهند ( المرة الأولى ):

بعد أن تم إعداد جمال الدين إعدادا متقنا ، تم ارساله الى الهند التي كانت تقبع في ذلك الوقت تحت الاحتلال الانجليزي ، فارتحل جمال الدين وهو في الثامنة عشرة من عمره الى الهند ، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوربية و يتعلم فيها بعض العلوم الحديثة ، و هناك رأى أن يؤدي فريضة الحج ، فاغتنم هذا الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد ، ويتعرف احوالها ، وعادا ت أهلها ، حتى وافى مكة المكرمة سنة 1273 هـجري( 1857 م ) .

22▪︎ في أفغانستان :

ثم أرسل ، في مهمة ، الى أفغانستان ، و ليكتسب ـ أيضاً ـ النسبة الافغانية ، و هنالك كلِّف بكتابة “تاريخ افغانستان ” .
وقضى جمال الدين ثمان سنوات قضاها في بلاد الافغان كانت حافلة بأنواع الدسائس و المكائد بين امراء تلك البلاد ، مِما أجج الحرب بين كل من محمد أعظم ، و شير علي ابني الأمير حاكم افغانستان دوست محمد خان خلال تلك الفترة .

23▪︎ في الهند ( المرة الثانية ) :

ثم عاد الى الهند عام 1869م ، فلما وصل إلي التخوم الهندية تلقته الحكومة القائمة بالحفاوة والإكرام ، ليذهب بعدها في مهمة جديدة إلى أرض الكنانة ، حيث قدم على ظهر باخرة بريطانية إلى ميناء السويس.

24▪︎ في مصر ( المرة الأولى ) :

في أوائل سنة 1870 م ( أواخر سنة 1286 هجري ) قدم الأفغاني إلى مصر لأول مرة ، و استقبل بحفاوة وأقام بمصر أربعين يوما ، ومُكَّن من التردّد على الأزهر ، فاتصل به كثير من الطلبة ، وقرأوا عليه شروحاً في المنطق و الفلسفة ، في بيته الذي نزل به بخان الخليلي ، ثم عزم على السفر الى ( الأِستانة ) ( اسطنبول ) .

25▪︎ في تركيا ( المرة الأولى ) :

وصل السيد جمال الدين إلي الأستانة ، فلقي من جمعية الاتحاد و الترقي حفاوه وإكراماً ، فلم تمض ستة أشهر حتى كان عضواً في مجلس المعارف ، و بدا واضحا لأهل ” العلم ” غرابة توجهاته ، مما جعله محل نقمة و سخط ” علماء ” الدولة ، لا سيما شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي.
وإثر محاضرة ألقاها في جمع حاشد في رمضان سنة 1287 هجري ( ديسمبر سنة 1870 م ) في دار الفنون للحث على الصناعات ، قال فيها جمال الدين : أن النبوة صناعة مكتسبة ، رماه ” علماء ” ( الأِستانة ) بالإلحاد والمروق من الدين.
و ألَّف الشيخ ( خليل فوزي الفيليباوي ) إثر ذلك كتابا باللغة العربية عَنونَه بـ ..( السيوف القواطع ) للرد على عقيدة الأفغاني ، وترجم الكتاب في تلك الفترة الى اللغة التركية ، مما حدا بالدولة العثمانية أن تصدر أمرا بإخراجه من البلاد .

26▪︎ الأفغاني و اسماعيل :

من الأمور التي لم يختلف فيها المؤرخون المحققون أن ( الأفغاني ) كان قطباً كبيراً في الماسونية العالمية ، ولكونه من كبار الماسون العالميين فقد استقدمه ( رياض باشا ـ اليهودي الأصل ـ و رئيس الوزراء في عهد اسماعيل باشا ) ـ بأمرٍ من اسماعيل باشا “الماسوني” الى مصر .
ومع كثرة البلاد التي طاف بها الأفغاني يمكن القول أنه لم يُحدث أثرا في أي من هذه البلاد ، كما أحدث في مصر التي أقام بها قرابة ثماني سنوات بدأت في مارس 1871 وامتدت حتى أغسطس 1879 .
حيث دخل السيد جمال الدين الافغاني مصر ـ للمرة الثانية ـ في مارس في أول المحرم سنة 1288 هجري ( مارس سنة 1871 م ) ، فأجرت عليه حكومة إسماعيل باشا راتباً مقداره ألف قرش كل شهر ، دون عمل ، و كان الطلبة يقرأون عليه في بيته في علم الكلام ، والحكمة النظرية ، من طبيعية وعقلية ، وعلوم الفلك ، والتصوف .
وتولى ( رياض باشا ) رعايته فيها ، وأعد له سكنًا مريحا في حارة اليهود ، حيث يمكن للأفغاني انشاء جمعياته السرية . و بمساعدة من رياض باشا ضم الافغاني إليه عددًا كبيرًا من أصحاب النفوذ في مصر .

27▪︎ الأفغاني و العمل السري:

مما يريب اللباحث في شخصية الافغاني وأهدافه – أيضاً – أن جلٌُّ نشاطاته كانت تتم بالخفاء حيث ما حل ، وأنَّى ارتحل ، و قد اتجه جمال الدين للانخراط في العمل السري ـ منذ دخل مصر ـ بعدة وسائل ، فمن ذلك :

  أ ـ الانخراط في الماسونية:

سرعان ما اتصل الافغاني بالماسونية العالمية بالديار المصرية منذ حل في أرضها ، فانضم مباشرةً إلى المحفل الماسوني البريطاني .
وفي كلمة ألقاها في المحفل البريطاني عاب فيها عليهم عدم التدخل في السياسة، يقول فيها: « دعوني أكون عاملاً ماسونياً نزيهاً متجنباً للرذائل ، إذا لم يكن حرصاً على شرف شخصي ؛ فتخوفاً من أن تعاب الماسونية بي ، فيتخذني الأغيار سهماً للطعن بها وهي براء منه ، وما ذنب الماسونية إلا أنها قبلتني بين أفرادها دون اختيار صحيح ، وأبقت عليّ من غير تبصُّر ؟! ) .
إلاَّ أنه استقال من المحفل الاسكتلندي البريطاني ـ كخطوة سياسية ـ ، إذ كيف يكون من سيتصدر الثورة ضد الاحتلال الانجليزي أمام الجماهير , عضوا في محفل ماسوني بريطاني ؟ .
ـ و التحق بمحفل ” كوكب الشرق ” التابع لفرنسا ، و هو أول محفل إشتغل باللغة العربية ، وكان لايؤمه إلا المصريون فحسب أو من هم في حكمهم ، وقد ترأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وبعض الشوام.
– ثم انتقل بعد ذلك إلى باريس ووجه الافغاني خطابا الى المحفل الماسوني الفرنسي ، يطلب فيه الانضمام إليهم ؛ قال فيه :
“ يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة – جمال الدين الكابلي الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة – : بأني أرجو من إخوان الصفا وأستدعي من خلّان الوفا – أعني : أرباب المقدس الماسوني ؛ الذي هو عن الخلل والزلل مصون ! – أن يمنوا علي ويتفضلوا إلي بقبولي في ذلك المجمع المطهر ! وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل ”( 13).
ـ وبعد ثلاث سنوات أصبح من أهم رجال المحفل الماسوني ، بل تم اختياره رئيساً له .
و سواءٌ ترأس الافغاني المحفل الاسكتلندي البريطاني أو المحفل الفرنسي ، فكلا المحفلين كانا يخدمان المخطط الانجليزي الفرنسي لتسليم مصر الى بريطانيا مقابل اعطاء المغرب لفرنسا .
ـ و استقال الافغاني من المحفل وأنشأ محفلا آخر تابعا للشرق الفرنسي الذي سرعان مابلغ أعضاؤه أكثر من 300 عضواً من نخبة المفكرين والناهضين المصريين ، ولما كان هذا المحفل مطلق الحرية ، فقد دعاه محفل “كوكب الشرق”.

  ب ـ الافغاني والجمعيات السرية : وكذلك أنشأ الافغاني الجمعيات السرية ، ومن هذه الجمعيات السرية:

 أَ ـ الحزب الوطني الحر ، والذي لم يمضِ على تأسيسه عام واحد حتى :

 ـ  أصبح أعضاؤه 20180 عضوًا ؟؟
 ـ  و أصبح له رصيد ضخم من المصارف ؟؟؟

بَ - جمعية مصر الفتاة وأنشأ جمعية "مصر الفتاة" ، وكان معظم أعضائها من شبان اليهود.

 -  و قد تبع تلاميذ الشيخ جمال الدين الافغاني شيخهم في الانضمام إلى الماسونية و الجمعيات السرية ، و منهم كثير من الأدباء و المفكرين ، و الزعماء السياسيين ، ومن أهمهم :

- *  تلميذه محمد عبده ، و الذي ورث الماسونية الفكرية المتلبسة بلباس الدين .

 ـ *  سعد زغلول ، و الذي ورث الماسونية السياسية ، و قد اختاره اللورد كرومر وزيراً للمعارف عام 1907م ثم انتخب وكيلاً للجمعية التشريعية المصرية.
 و بعد الحرب العالمية الأولى كون سعد وفداً لمفاوضة الإنجليز حول استقلال مصر عن الأمبراطورية البريطانية فأطلق شرارة ثورة 1919م.
 ثم كون حزب الوفد المصري وفاز في الانتخابات البرلمانية عام 1924م وشكل الوزارة واصبح أيضاً رئيس البرلمان المصري ثم استقال من منصب رئيس الوزراء ، كما انتخب رئيساً للنواب عام 1925م و توفي عام 1927.
 و يعتبر سعد زغلول من أهم دعاة ” العلمانية ” الماسونيّة في ( مصر ) .
و قد ألف الشيخ ( محمد عبده ) أكثر فصول الكتاب ، و دافع عنه ، و سار بذلك على خطى شيخه الأفغاني .

-  و اتخذ الافغاني الأعوان والمساعدين من اليهود والنصارى المتهوّدين ، فقد جعل من معاونيه ( يعقوب صروف ) النصراني المتهود صاحب الأموال ، و يعقوب صنوع أبو نظارة اليهودي ، والذي رثاه الافغاني في ”العروة الوثقى”، وسليم عنجوري النصراني المتهود الذي تسلم صحيفة ”مرآة الشرق”.

ـ  و كانت سياسة حكومة اسماعيل باشا التي أفضت إلى تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها قد ولَّدت الكراهية المطلقة لدى الشعب المصري لنظام حكم اسماعيل باشا .
 عند ذلك أنشأ الافغاني الكثير من الأدوات الماسونية كالأحزاب السياسية و الحركات الوطنية المشبوهة ، و المجلات و الجرائد الساخنة .
 وما أنشأه غير الماسون تم فيما بعد الاستيلاء عليه ماسونيا من قبل جمال الدين الافغاني وتلامذته .
 في هذه الأثناء زاد خطر الأفغاني لكونه كان على قائمة الهرم الماسوني ، والذي ترتبط به كثير من الحركات " الوطنية " ، فأسس الصحف المختلفة و شارك في الكتابة فيها ، كما بدأ في بث اطروحات سياسية كالحياة النيابية ، و البرلمان ، والمشاركة الشعبية ، و المجالس الوطنية ممَّا أسهم في تسخين الشارع المصري .

 ـ  ولم يتجه جمال الدين الى المشاركة السياسية العلنية ضد الانجليز و القصر الملكي إلا حوالي سنة 1876 بعد تطبيق سياسات التدخل الانجليزية .
 ثم بدأت خطورة جمال الدين تكبر شيئاً فشيئاً ، و في سنة 1878 كانت له الكلمة الفصل في الحياة السياسية عبر أدواته الاعلامية و السياسية من خلال تلاميذه الماسون الذين تسنموا المناصب العليا في الدولة .
 و هناك من انخدع به ك ( أحمد عرابي باشا ) ، مِمَّا جرَّ ـ على ارض الكنانة ـ الكثير من الويلات ، و أنواع المضائق والأزمات .
 بل وصل الأمر بالأفغاني أن فكر في اغتيال الخديوي إسماعيل أثناء مروره على كوبري قصر النيل ، فقد كان جمال الدين متفقًا على برنامج الحكم مع توفيق إبن الخديوي اسماعيل الذي كان الأفغاني قد ضمه إلى محفله الماسوني .

28▪︎ لا يكتب التّاريخ عادة كلّ شيء ؛ و أمّا إذا كتب فإنّه يكتب ما يميل المؤرّخ إلى إبرازه دون غيره من وقائع قد تبدو في نظر المؤرّخ عاديّة و عابرة بل و سخيفة ، بينما قد تكون بالنّسبة إلى قارئ أو قارئ متخصّص بالبحث ، أكثر أهمّيّة بما لا يُقاس ممّا قد نظر إليها المؤرّخ .
والدرب السليم هو أخذ التّاريخ عن شتّى صنوف المؤرّخين و بخاصّة عندما يتقاطع تأريخهم مع الغالب من الرّوايات التّاريخيّة الأخرى المتناقلة بتوثيق أو من دون توثيق ، و هذا ما يُعرف في فنّ الكتابة بِ”التّحقيق” .

29▪︎ ولذلك نستطيع القول بأن ( حداثاتنا ) كانت جميعها كاذبة و عميلة للغرب الاستعماريّ ، و على الأخصّ منها تلك التي سمّيت ( حداثات إسلاميّة و نهضويّة ) حيث تلبّسها الزّيف و التّزييف و المؤامرة و التّآمر من أخمص قدميها و حتّى ذؤابات أعلى الرّأس ..
لذلك أدت تلك ( الحداثات المزيفة ) إلى تلغيم الواقع العربي والإسلامي وخردقته من الداخل ، تمهيدا لانهيارات متلاحقة ، وصولا إلى الواقع العربي الرسمي الراهن.
في الوقت التي وقّتَتْ لمواجهة حداثات نهضويّة تنويريّة حقيقيّة و إنسانيّة ، تماماً كما حصل في مواجهة ” تنوير ” ( الطّهطاوي ) العظيم بِ” نهضويّة ” صنيعتين للاستعمار البريطانيّ و الفرنسيّ هما (جمال الدّين الأفغانّي) و ”ربيبه” (محمد عبده) !
و أعني في ما تنضم إليها ( حداثات التّزوير ) “حداثات” النهضة العربية الإسلامية ” المزيفة ” و تدعمها ، تلك التي جاءت مع” النهضويين” الإسلاميين مثل ( جمال الدين الأفغاني ) و ( محمد عبده ) ،
حتى أن تلك ” النهضة ” العربية الاسلامية ” المبرمجة ” على إيقاع الحاكمية السياسية الغربية ، للنغمة العثمانية ، إنما جاءت لتكون رداً مباشراً على حداثة ( رفاعة الطهطاوي ) كما في مشروع سياسي مناوئ مباشرة لتباشير المشروع العظيم ل (محمد علي باشا ) في المنطقة.
و في غياب المعرفة الفلسفية الحداثية و المعاصرة ، في الثقافة العربية الإسلامية الرسمية ، و بسبب هذا الغياب انداحت الأيديولوجيا “الإصلاحية” الحقيقية في الثقافة العربية الإسلامية ، لتملأ ” المكان السياسي” و المشروع الثقافي العربي ، في خطاب إسلاموي كان له صفة التأصيل الرسمي أكثر مما كان له دور حقيقي في الحداثة و المعاصرة ، كاستجابة مزيفة لقوى التقدم في المكان.

30▪︎ وأخيرا ، عندما نقارب ، ككتّاب و باحثين ، أمراً فإنّنا لا نقيسه بآرائنا المصنوعة على عجل أو للتّشفّي ، و إنّما تعتمد آراؤنا بذلك ، على المعلومات و الاطّلاعات التي لا تخضع للّرأي و المزاج و العواطف .
و لذلك لم نترك حديثنا إعلاه ، على أعنّته ، و بخاصّة في بداياته ، بل اعتمدنا التّوثيق و التّنصيص الموسّع ، و يبقى الحكم للقارئ .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار