نرفض سياسة لي الأيدي بهدف الإخضاع

منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965 ، والعلاقات الوطنية في الساحة الفلسطينية يتعريها الكثير من التشوهات ، وصلت في مراحل ومحطات زمنية إلى حد الصدام والصراع الدموي . هي صفحات سوداء أصبحت خلف ظهرنا ، لأنها وباختصار أسأت للكل الفلسطيني .

الخلاف بين الرؤى والبرامج السياسية في ساحتنا الفلسطينية كما في غيرها ، ظاهرة صحية طالما أنها بقيت في حدود التعبير بشكل ديمقراطي ، من دون الذهاب إلى مربعات التمترس وصولاً إلى الصدام المباشر . وتجاربنا وللأسف في هذا السياق بعيدة كل البعد عن أصول تنظيم الخلافات على نحو ديمقراطي . 

تاريخياً المسؤولة عن تفشي ظاهرة الإحتكام لمنطق التهميش والاستفراد والتفرد والاستئثار هي حركة فتح ، لما أُتيح لها من إمكانيات مالية هائلة ، وعلاقات إقليمية ودولية . وترأسها لمنظمة التحرير وإمساكها بمؤسساتها ، التنفيذية والمجلسين الوطني والمركزي ، والصندوق القومي ، واللجان المتفرعة عن المؤسسات ، وممثليات المنظمة التي تحولت إلى سفارات بموجب اتفاقات ” أوسلو ” العام 1993  . ناهينا عن الاتحادات والنقابات …  الخ .   

ما أشبه اليوم بالأمس ، على الرغم من كل التحديات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية ، و” صفقة القرن ” تمثل التحدي الأكبر والأخطر الذي نواجهه جميعاً ، لا تزال ساحتنا مشوهة العلاقات الوطنية على مستوى التعاطي بين الفصائل ، وكأن كل التجارب لم تكن كفيلة لنتعلم منها . 

ما تتعرض له الجبهة الشعبية من محاولات الإخضاع السياسي ، كما الديمقراطية قبل وقت ليس ببعيد ، خير دليل على كيفية تكريس الفلسفة البائسة ، على أنّ من يملك المال يملك القرار . هذه الفلسفة لم توصلنا إلاّ إلى المزيد من الشقاق والخلاف ، خدمة مجانية تُقدم للعدو الصهيوني ، الذي وظفّ ولا يزال الانقسام في فرض وقائعه الميدانية على عناوينا الوطنية . وشهر تموز يحمل معه فصل جديد على طريق تصفية تلك العناوين ، أقرّه اتفاق ” نتنياهو – بني غانتس ” ، لضم الأغوار والمستوطنات ، والإطباق على مدينة الخليل .

الجبهة الشعبية لم ترتكب جريمة حتى تُعاقب على فعلتها ، وتُحرم من أبسط حقوقها ومستحقاتها المالية . الذنب الذي اقترفته أنها وجدت في السلوك السياسي والتنظيمي للسلطة ومن يمسك بالمنظمة ، أنها لا تتوافق ومعايير الشراكة الوطنية بين مجموع الكل الفلسطيني بالمعنى الفصائلي . وهناك إصرار على فرض رؤى سياسية لا تتوافق والمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني . وبالتالي ترى من حقها وحق الجميع ، شعباً ونخباً وفصائل ، وأمام جرائم العدو الصهيوني المتمادية والمغولة في دماء أبناء شعبنا . أنّ المقاومة حق أقرته شرعة الأمم المتحدة ، ومن واجبها وواجب الجميع بما فيها حركة فتح                  ممارسته كخيار وطني ، يجب حمايته وصونه .

الجبهة الشعبية عمرها من عمر ثورتنا المعاصرة ، وهي مُكون أصيل ومؤسس في منظمة التحرير ، كحركة فتح والجبهة الشعبية – القيادة العامة والصاعقة والجبهة الديمقراطية … الخ . لا يجوز التعامل مع الشعبية وغيرها من خارج هذا الفهم كشريك ، وليس تابعاً أو حرف مجرور وأمرك سيدي . وأجزم بالتالي أن الشعبية لا تتنكر للمنظمة ، وهي التي انتقدت نفسها لخروجها في سبعينات القرن الماضي من المنظمة . وإذا كان هناك من موقف ليس على وحدانية تمثيل المنظمة ، بل على برنامجها السياسي الذي أوصلنا إلى ” أوسلو ” وجملة التنازلات الخطيرة التي أقدمت عليه القيادة المتنفذة في منظمة التحرير ، منذ برنامج النقاط العشرة  . وهذا الموقف تتقاطع معه حتى الفصائل التي علقت مشاركتها منذ العام 1983 ولا زالت حتى الآن .

معاقبة الجبهة الشعبية على مواقفها وملاحظاتها السياسية والتنظيمية على أداء المنظمة والسلطة ، لا تجوز بهذه الطريقة ، ويجب التراجع عن سياسة لي الأيدي بهدف شراء سكوت الآخرين ووقف انتقاداتهم . وبديله الذهاب إلى نقاش جدي ومسؤول لجملة الملاحظات والمآخذ التي يتقاطع على رفضها الكثيرون ، بما فيهم بعض المنتفعين والمقربين في الساحة الفلسطينية .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار