المدارس في مخيم اليرموك قبل الحرب..! ؟بمناسبة بداية العام الدراسي..نكبر ويكبر فينا حب الوطن نحن فلسطينيي المخيمات

بدأت الأونروا بتشييد المدارس في المخيم، وكان الهم هو بداية دراسة الطلاب، ومن المدارس التي شيدت في البدايات، مدرسة الجليل وإسدود والجرمق والمنصورة و……الخ، وبدأ الأهالي يرسلون أولادهم إلى المدارس التي بنتها الأونروا لتلقي العلم والمعرفة، وكان المنهج التعليمي لمدارس الأونروا، هو نفسه المنهاج التعليمي لمدارس سورية، وكانت المدرسة كبناء تداوم فيها مدرستان صباحية ومسائية. لقد كان دوام المدارس في الأسبوع يبدأ من يوم السبت، وينتهي يوم الخميس، وهو مقسم إلى 3 أيام في الأسبوع كفترة صباحية ، و3 أيام في الأسبوع كفترة بعد الظهر، وكان هناك عرف بين أهالي فلسطين، كلمة واحدة يقولوها لإدارة المدرسة أو للمربين وأمام الأولاد وهي ( خوذ اللحم وأعطينا العظم )، وهذا إذا دل على شيء، فإنما يدل على الرغبة العارمة لدى الفلسطينيين بتعليم أولادهم وحرصهم على ذلك، والغاية من هذه الكلمات ليست العقوبة بحد عينها، إنما هي إحساس الطلاب والتلاميذ بشيء رادع عند التقصير في الدراسة، والرادع ممكن أن يكون (تأنيب، توبيخ، كتابة وظيفة ثلاث مرات، إحضار ولي أمر، … الخ)، وإلا لماذا أوجد الله عز وجل عقوبة من يسرق قطع اليد أو … الخ، أليس ذلك رادعاً كي لا يخطئ الإنسان، ويتعلم ويستفيد من خطئه، وخطأ غيره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد … وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: طلب العلم فريضة على كل مسلم. ومع بداية الأسبوع وفي الفترة الصباحية، وبعد تقبيل أيادي الوالدين، يذهب الأولاد إلى المدرسة، (ربما يأخذون المصروف وربما لا يأخذون) يذهبون وهم يلبسون الصدرية، (وهو قميص طويل قليلاً يصل حتى الركبة)، ويحملون حقيبة (ربما تشبه نفس الكيس الذي درس به والدهم عند الكتاب )، والبعض يحمل حقيبة مدرسية، يدخل الأولاد المدرسة من الباب المخصص للدخول، ويبدؤون بالاصطفاف، ثم النشيد الوطني أو فلسطين نادت، أو فلسطين جريحة … الخ، وقبل وأثناء الدخول إلى الصفوف، لابد من شرب كأس من الحليب الدافئ الذي كانت توزعه الأونروا على المدارس، ليشربه الأولاد في كل مدرسة، (حيث يصطف الأولاد ثم يأخذ كل واحد منهم كأساً من الألمنيوم ويصب له الحليب، ويشربه ثم يضع الكأس الفارغة في مكان مخصص للغسيل)، ثم يذهب إلى صفه، حيث يكون عريف الصف في انتظار جميع الأولاد لتنظيم الدخول والخروج، ثم يقوم الأولاد بتنظيف الصف من قمامات الورق إن وجدت، وما هي إلا لحظات، يدخل المعلم مربي الصف أو مدرس المادة، يقول عريف الصف قيام، يقف الأولاد وبهدوء، ويقول المربي صباح الخير يا أولاد ، نجيب نحن صباح الخير يا أستاذ، ويقول المربي جلوس، ثم يجلس جميع الأولاد. ويبدأ درس الأسبوع في بدايته بحكمة اليوم مثلاُ ــ العلم نورٌ ــ النظافة من الإيمان ــ من زرع حصد … الخ، ويتم تغيير الحكمة في كل يوم، ثم تجمع السبتية وهي 5 قروش سورية ( فرنك ) بالعامية، وهي على شكل خدمات تقدم للمدرسة كل يوم سبت من الأولاد، ولذلك سميت السبتية، ثم نأخذ حبة طبية للغدة، وأيضاً حبة زيت سمك، ويبدأ توزيع الكتب المدرسية والدفاتر بأنواعها، وأقلام الرصاص والبراية والممحاة والتلوين والمسطرة وعداد الحساب ( وكان من الخرز)…الخ، وممكن أن يكون التوزيع في يوم أو يومين أو عدة أيام، وحسب المتوفر والموجود في مستودع المدرسة، ثم تبدأ الدراسة …الخ .(هذه العطايا التي كانت توزع من حليب وغيرها توقفت منذ العام 1980تقريبا). لقد كان المعلمون يحملون الهم الوطني الفلسطيني في رسالتهم التعليمية، من أجل النهوض بمستوى أبناء شعبهم التعليمي، ورغم كل الظروف القاسية والمعاناة التي عانوها من آثار النكبة، ومن آثار المخيم الذي يدل على الفقر والتشرد و… الخ، فلا سبيل لمواجهة آثار النكبة إلا بالعلم، فكان المعلمون وبدون استثناء وإلى الآن حاملي الهم التعليمي لأبناء بلدهم، وكانوا شعلة تضيء الدرب للأجيال، وكانوا يتعاملون مع هذا الهم بوفاء وإخلاص وتفانٍ، ولسان حالهم يردد الآية القرآنية : ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) وكان كل معلم ومربي منهم لديه 40 ــ 45 تلميذ في الصف يعاملهم معاملة أبنائه، وعليه تعليمهم وإرشادهم في جو يسوده الاحترام والود والهيبة للمربي، حتى في حارات المخيم، حيث كان إذا مر المعلم من الحارة تهرب الأولاد من وجهه احتراماً له، وخوفاً ورهبة منه، حتى لا يراهم يلعبون في الحارة لكن للأسف في إن هذا الاحترام والتقدير بدأ يتلاشى في السنوات الأخيرة. لقد كان لدرس النشيد، نشوة لا تنسى لدينا نحن التلاميذ اللاجئين الصغار، ودور فاعل في إنماء الروح المعنوية والوطنية، وخاصة حين يقف مربي الصف، وهو ينشد لنا بصوته العذب الحنون، أنشودة الشاعر هارون هاشم رشيد : ــ عائدون … عائدون … إننا لعائدون فالحدود لن تكون والقلاع والحصون فاصرخوا يا نازحون إننا لعـــــائدون … الخ، ويبقى يرددها حتى تذرف دموعه ودموعنا، ومع هذه الأنشودة التي لا تغيب عن بال أي من الأولاد الذين درسوا في تلك الأيام، وعندما نلتقي لا بد من ذكريات، وهذه الذكريات تزيدنا شوقاً وتعلقاً وحنيناً إلى بلدنا فلسطين الحبيبة . وأيضاً لقد كانت دروس القراءة والتعبير لها رونق آخر لدينا فمثلاً في درس (دائرة الطباشير) وكيف كان يمثل ويشرح لنا الأستاذ المربي ( وأحياناً كان يغير صوته في الشرح ) ويقول ــ ادعت إحدى النساء على امرأة تحمل ولدها ، وكانت المرأة المدعية لا تنجب الأولاد، وقالت بأن هذا الولد الذي تحمله تلك المرأة، هو ولدها وسرقته منها، فاحتكمتا إلى قاضي البلدة، الذي سمع منهما القصة، فأمر برسم دائرة من طباشير على الأرض، ويوضع الولد داخلها، على أن تمسك كل واحدة منهن الولد من يده وتشده إليها، فمن تشده بقوة، ويصل إلى خط الدائرة القريبة منها يكون ولدها، وافقت المدعية ورفضت الأخرى، وبدأت الأخرى وهي الأم تبكي خوفاً على ولدها فلذة كبدها، حتى لا يصاب ابنها بأي أذى من شده، وهي تقول وبصوت فيه حنين ورأفة وبكاء ، والمربي يمثل الدور أمامنا ويبكي ويبكينا (لا يمكن إنه ابني وممكن أن آذيه عندما أشده أو أكسر يده أو …)، فيحكم لها القاضي بالولد لأنها مثال الأم التي تخاف على ولدها، والحكمة هي التي أدت إلى عودة الولد إلى أمه … ويقول لنا هذا ما حصل لنا نحن يا أبنائي في فلسطين، حينما أرادوا أن يقسموا بلدنا فلسطين إلى دولتين، ولكن آباءنا وجدودنا رفضوا ذلك، وكيف نعطي الأعداء ما ليس لهم، وأن هذا يا أبنائي هو سبب وجودنا هنا في المخيم….. لقد كانت دروس في الوطنية وحب التضحية والفداء، وخاصة دروس الشهادة والاستشهاد ، حيث يسأل المربي كل منا عن بلده، وماذا تعرف عنها و …. ، ويطلب منا كتابة ذلك كوظيفة ويقول استعينوا بأهلكم في حلها، وفي اليوم التالي يأتي كل واحد منا وورقة الإجابة معه ( وهذا ما تقوم به المدارس منذ سنتين من خلال أمين المكتبة في المدرسة، وتقوم المرشدات والمشرفات أيضاً، بتعليم التطريز للطالبات، بحيث يتم التطريز للألبسة الفلسطينية، وحسب كل منطقة وبلدة، جبلية كانت، أو ساحلية، أو بدوية، أو … الخ ) . ودرس آخر ــ ماذا فعلتم بالسروال ــ حين ارتدى ولد سروال فوجده طويلاً، جاء إلى أخته، وقال لها أن تقصر له السروال مقدار ثلاث أصابع ، رفضت الأخت بسبب انشغالها بكتابة وظيفة المدرسة، وطلب من أمه، فرفضت الأخرى لأنها كانت تصنع الطعام للمنزل، وطلب من جدته فرفضت الثالثة طلبه لأنها كانت تصنع كنزة من الصوف، وشارفت على الانتهاء . ذهب حزيناً إلى فراشه ونام ، انتبهت الأخت فأخذت السروال وقامت بتقصيره ، ثم أتت الأم بعد برهة وقامت بتقصيره ، وبعدها أتت الجدة وقامت بتقصيره أيضاً، استيقظ الولد وأراد أن يفعل ذلك بنفسه، لبس السروال ووجده قصيراً جداً، فوقف في وسط البيت، وهو يقول ماذا فعلتم بالسروال .. ماذا فعلتم بالسروال .. فلقد كانت دروساً تعشش في الذهن، ولا تنسى وذكراها لهو خير دليل على ذلك . ولا يفوتنا كيف كان المربي يوزع علينا الأدوار في درس الزراعة، فالبعض يزرع القمح، والبعض يزرع الحمص، والآخرون يزرعون العدس، بحيث نضع القطن في صحون صغيرة، ونقوم بسقايتها، ونرى بأم أعيننا عملية الإنتاش، وكيف يتشكل الجذر ويخرج الساق وتظهر الأوراق …، ويقول لقد كان لكل واحد منا، قطعة أرض صغيرة في مدرسة القرية في فلسطين، وكنا نمارس فيها درس الزراعة على طول السنة، لكي نتعلم كيف نزرع وبالطريقة الصحيحة وبطريقة عملية . وفي درس العلوم كيف كنا نشترك بجلب سمكة صغيرة، أو ضفدع أو أي شيء له علاقة بالدرس، ليكون الدرس عملياً ليتم فهمه، وكذلك في درس الحساب الذي لا يخلو من التذكير بجدول الضرب والقسمة السابقين. ودروس التربية الدينية والقرآن وكيف كان صوت المربي الدافئ يشدو في التجويد، ويطلب منا تقليده في ذلك، فهو الذي علمنا النطق الحقيقي للحروف، ويحدثنا عن الأخلاق الحميدة، وكيف علينا أن نتخلق بأخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبذكر سيرته دائماً، وفي درس الصلاة، كيف كان المربي يعلمنا الصلاة عملياً، ويطلب من بعض الأولاد أن يطبقوها أمامنا لنتعلمها . ولا يفوتنا درس الرياضة فقد كانت المدارس وكما أسلفنا سابقاً، يوجد فيها ساحات للعب بالكرات (القدم ، السلة ، اليد)، ولعبة شد الحبل والقفز والجنباز، وكان المربي يحب أن نلعب بعض اللعبات التي كانوا يلعبوها في فلسطين، بعد أن يقسم الأولاد إلى 3 مجموعات، مجموعة للكرات، ومجموعة لشد الحبل ، ومجموعة للعبة طاق طاق طاقية، وهي أن يجلس الأولاد بشكل حلقة، حيث يركض ولد خلف الأولاد وبيده طاقية، ويقول طاق طاق طاقية، ونحن نقول بعده فلسطين عربية ، رن رن يا جرس، ونحن نقول حوِّل واركب عالفرس ويتم الركض .. الخ، حيث كان المربي يترنم وتدمع عيناه، ونحن نصيح بأعلى صوتنا ونقول فلسطين عربية، حتى أن بعض مربي الصفوف في المدرسة، كانوا يغلقون أبواب صفوفهم من شدة الصوت، لقد كانت دروساً في اللغة والأخلاق والأدب والعلوم و…. إلا أنها كانت دروساً في الوطنية وحباً لفلسطين ونتذكرها على أمل العودة إليها يوماً ليس ببعيد إن شاء الله . ولقد كان المربون يعلموننا ماذا نصنع إذا أتت غارة إسرائيلية على المدرسة، إذا كنا في المدرسة، وكيف نحمي أنفسنا بالنزول تحت المقاعد الدراسية، لأنهم يعرفون أن الصهاينة لن يميزوا بين مدرسة وجامع، ولن يرحموا صغيراً أو كبيراً منا نحن شعب فلسطين، وذلك بحكم معرفتهم وتجربتهم فقد عايشوا النكبة ووحشية العدو.. وأضف إلى ذلك لقد كان زجاج المدرسة عليه لاصق على شكل إشارة الضرب أو الزائد، الذي بدوره يخفف ويحمينا وقدر الإمكان من تطاير الزجاج حال حدوثه، حتى لا يتحطم فوق رؤوسنا . وعندما علمنا في المرحلة الابتدائية أن فلسطين تشبه السكين أو الخنجر، صار كل واحد منا يحب أن يرسمها ويزينها بأولى صفحات دفاتره، ويكتب تحتها وبتعبير داخلي وكل على هواه ــ فلسطين نادت ــ فلسطين لنا ــ سنعود ــ بلادنا ــ ….. الخ. ونكبر ويكبر فينا حب الوطن نحن فلسطينيي الشتات، ورغم الفقر المدقع في تلك الأيام لغالبية الشعب الفلسطيني، إلا أنه برز منا وفينا المتفوقون، الذين يريدون أن يتعلموا ليحققوا شيئاً لأنفسهم ولأوطانهم، وكان لمدارس الأونروا في مخيم اليرموك دوراً بارزاً في تفوق عدد كبير من تلامذتها وطلابها من اللاجئين الفلسطينيين، الذي جعل هذا الشعب من أوائل الشعوب المتقدمة في مجال العلم، وكان دورالمربين والمعلمين مشكوراً في صنع الجيل السابق والحاضر من أهل المخيم، في كل ما قدموه للطلاب والتلاميذ، فبرز منهم الأطباء والمهندسون والمحامون والمعلمون والشعراء، وعلماء في العلم الشرعي، وأساتذة الجامعات في البلاد العربية والغربية، وشتى العلوم … الخ، وفي كل المخيمات في سورية وبالأخص مخيم اليرموك، فمن الذين منّ الله عليهم بالعلم والشهادات العليا، ومن مدرسي الجامعات: الأستاذ الدكتور يوسف حطيني ــ مدرس في جامعة الإمارات ــ الأدب العربي الأستاذ الدكتور حسن الباش ــ مدرس جامعي في دمشق ــ مقارنة الأديان . الأستاذ الدكتور أحمد كيوان ــ مدرس في جامعة دمشق ــ التربية . الأستاذ الدكتور موفق سعيد حطيني ــ مدرس في جامعة دمشق ــ معلوماتية . الأستاذ محمد مباركة ــ باحث ــ مجلة صوت فلسطين . الأستاذ محمد توفيق السهلي ــ باحث ــ موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية . الأستاذ رشاد أبو شاورــ روائي . الأستاذ أحمد هلال ــ ناقد . الأستاذ مدير مدرسة القسطل، الشاعر المرحوم محمد حسن تميم والذي توفي في بداية 2011م وله قصيدة: وطني الجليل … يافا وغزة والخليل … والقدس ترقد في الجبال . بيسان تبسم في السهول . وطني الجراح على الجراح . والليل يجلوه الصباح . قلبي الخليل … روحي الجليل … لو ظل سيل الدم يجرف ألف جيل … وهناك الكثير الكثير من أبناء المخيم، الذين درسوا ويدرسوا من أساتذة جامعات، وأدباء، وصحفيين، ونقاد… الخ، ولكن اكتفينا بذكر البعض، والبعض الآخر سيذكر في الحراك الثقافي في مخيم اليرموك

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، و‏حشد‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٣‏ أشخاص‏، و‏‏حشد‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، و‏حشد‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، و‏حشد‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
+‏٦‏
قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار