“إسرائيل”. وأهمية استهداف البيئة الداخلية

بقلم: رامي حاج سعيد
نجحت قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية في استحداث أنماط عسكرية تتصف بالفاعلية القتالية، تماماً كما نجحت في تطبيق المفهوم الاستراتيجي القائم على فرضية أن الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” هي الحلقة المكشوفة والأضعف والأكثر إيلاماً ضمن المشهد “الإسرائيلي”، ومن هنا فإن زعزعتها أو كسرها أو حتى العبث بكينونتها من شأنه أن يرجّح كفّة حلف المقاومة، على الرغم من التفوق “الإسرائيلي” على المستويين العسكري والأمني.
وهذا تماماً ما تخشاه “إسرائيل”.يقول اللواء “مائير ألران” المساعد السابق لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” والباحث في معهد دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي”: سيناريوهات سوداوية لطبيعة وحجم وساحة المواجهة القادمة، لاسيما استهدافها المباشر للجبهة الداخلية، وتحول “الإسرائيليين” إلى أهداف متاحة للأسلحة التي سيستخدمها أعداء “إسرائيل” في قادم الأيام.

لا شك أن لهذه المفاهيم معانٍ كبيرة، أو على الأقل تأثيراً كبيراً على الإدارة الاستراتيجية “لإسرائيل” خلال الأعوام الأخيرة بشكل عام، وأثناء الحرب بشكل خاص، وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان دراسة واختبار آثارها ضمن رؤيةٍ نقدية من أجل الوقوف على نقاط الضعف، والأخطار التي تنطوي عليها… ومن ثم محاولة استخلاص العبرة العسكرية والسياسية كمحاولة لصيانة توازن الردع إذا صح التعبير.

“إسرائيل دولة” قزمية لا تتجاوز مساحتها 20989 ألف كم 2 وشكلها الطولي أفقدها العمق الجغرافي والاستراتيجي، وجعل من نقاط علّامها الحيوية أهدافاً حقيقية لصواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية وعند هذه الحقيقة فإن “إسرائيل” باتت تدرك أكثر من غيرها مداخل الصراع وعلاقته بعنصري الجغرافيا والسكان… وهي تدرك بأن انعدام عامل الجغرافيا والبعد الاستراتيجي جعل لعامل السكان البعد الأهم.
وبالتالي فإن الخطورة الأكبر بالنسبة للمؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” هو لجهة استحداث المقاومة لمعادلة الردع واستهداف البيئة الداخلية، وهو تطور نوعي نحو العبث بالبعد الديموغرافي “الإسرائيلي”، والذي تنظر إليه “إسرائيل” بعين الحرص فالحديث عن نضوب معين الهجرة اليهودية بالرغم من المحاولات المستميتة للحكومات “الإسرائيلية” من دفع يهود العالم إلى الهجرة إلى فلسطين جعل من الاعتماد على النمو الطبيعي للسكان هو المعتمد الوحيد لبناء منظومة وفكرة الوجود الصهيوني، وبالتالي القدرة على الاستهداف تعني وبالضرورة مآلات وسيناريوهات عكسية .

وبناء عليه بتنا نرى العديد من المحاولات “الإسرائيلية” المحمومة لتقوية الجبهة الداخلية، وتعزيزها، بالتزامن مع محاولة صنع إنجازات أخرى، سياسية وعسكرية، بغية العزل أو التمكين لبعض الجبهات المتوقعة، وجهود أخرى لإدارة النظام الداخلي، وفقاً لرؤية يكون بعدها الأهم القدرة عل تجاوز البعد النفسي ثم الاقتصادي، والعمل على التحسين الفوري لنظام الدفاع المدني … بما يتناسب مع المتوقع من ملامح المعركة، ثم للتخفيف من قدرة هذا الاستهداف على إيجاد أي نوع من التوازن الردعي في المعركة القادمة.

يعرف الردع على أنه (عملية مركبة جداً، وتنطوي بالدرجة الأولى على أساس التهديد بتفعيل القوة في سبيل منع حدوث أمرٍ ما، أو ربما قد يتم استخدامه كعقوبة بهدف منع العدو من القيام بإجراءٍ عنيف).
وبهذا المعنى فإني أرى بأنّ معادلة الردع بين قوى المقاومة، وبين “إسرائيل” من خلال استهداف الجبهة الداخلية كهدف ثابت ومشروع ينطوي على توازنٍ شبه رادعٍ، وبالتالي هو جزء لا يتجزأ من كل أكثر تعقيدا.
وبهذا فعلينا أن ننتبه جيدا لخطورة الاتكاء الكلي على فاعلية استهداف الجبهة الداخلية وخصوصا إذا ما استغرقنا في تصورات ما بعد الاستهداف ثم غياب الكثير من المفاعيل الوجدانية والنفسية مع الاستهداف الأول والثاني والثالث، وبالنّظر إلى الممكن من الرّد الإسرائيلي.

إن طبيعة المعركة مع قوى المقاومة الفلسطينية منها واللبنانية هي نوعٍ جديد تماماً، وذلك وفقاً للكثير من المقاييس العسكرية والأمنية مثل: طبيعية قوى المقاومة ، والعلاقات التبادلية بينها وبين الدولة المستضيفة لها والدول الداعمة، ونوع القتال، واستخدام الوسائل القتالية، وعلاقات الجبهة ، والبيئة الحاضنة ، ومدة المعركة، وتأثير وسائل الإعلام على المعنويات وغيرها من المستويات، ولكنها أيضاً اكثر جدّة في تكثيف مفهوم استراتيجية الردع المتعلقة باستفزاز الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فقد استطاعت إدارة المقاومة من إطالة عمر هذه الورقة من خلال منهجية تصاعدية يكون بعدها الأهم هو اتقان الحرب النفسية عبر مصطلحات ذو دلالات مقصودة الإيحاء مثل (حيفا وما بعد حيفا) ، ( لن تكون تل أبيب بعيدة عن مرمى صواريخ المقاومة ) وغيرها من المصطلحات التي أثبتت بما لا مجال للشك فيه أن تغييراً دراماتيكياً في أفق التهديدٍ الوجودي “لإسرائيل” قد حدث فعلاً عبر استهداف الجبهة الداخلية.

قد تبدو المعركة القادمة معقدة، لكن يقينا بأن للمقاومة أدواتها التي اختبرت فاعليتها في غير مكان، وبنت ملامحها في أكثر من حرب في غزة والجنوب اللبناني، جعلت من القدرة على بناء استراتيجية التوازن بين إدارة حرب استنزاف تعتمد في أساسها على الثبات والبقاء في عمق الحاضن الجغرافي والديموغرافي وعدم السماح للعدو بالتقدم، ثم إدارة هجومٍ متواصلٍ ومكثف على “إسرائيل”، لاستهداف نظم الحياة المدنية فيها وعرقلته … استراتيجية أخرى مكمّلة ومتممة و عامل ضغط إضافي على مجريات الحرب وخصوصاً أنه من الصعب على سلاح الجو “الإسرائيلي” القيام بمهامه بشكلٍ مرضي مع ما تُوصف بأنها أ هداف قصيرة المدى وذات زمن ظهورٍ قصير والقادرة على القيام بمهامها والحفاظ على وضعية خفية نسبياً ومغادرة المكان بسرعة.
وهنا تماماّ يصبح استهداف الجبهة الداخلية تكتيك واحد ضمن عددٍ كبيرٍ من التكتيكات العسكرية التي تهدف إلى استقرار نظام العلاقات النّزاعية على المدى المنظور بغية تحقيق هدف استراتيجي وهو الانتصار أو على الأقل منع العدو من الانتصار.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار