العلاقات الفلسطينية المصرية: بين إجراءات السلطة والتفاهم الثلاثي

0
العلاقات الفلسطينية المصرية: بين إجراءات السلطة والتفاهم الثلاثي
د. علاء أبوعامر
التسريبات الإسرائيلية تربك المشهد الفلسطيني، أغلب ما تتناقله المواقع الإخبارية الفلسطينية بخصوص علاقة الرئاسة الفلسطينية مع الشقيقة مصر وكذلك ما يُطلق عليه الاتفاق الثلاثي المصري الحمساوي الدحلاني مصدره الصحافة الإسرائيلية، فهي تتحدث عن الغاء زيارة الرئيس أبو مازن المقررة السبت القادم وعن وجود توتر بين الرئاستين المصرية والفلسطينية (تم نفي ذلك فلسطينيا) وعن رفض مصري لمناقشة تفاهمات القاهرة – حماس مع الرئاسة الفلسطينية، وكذلك حملّت الصحافة الإسرائيلية تسريبات عن لقاءات للقيادي الفتحاوي جبريل الرجوب مع مسؤول أمني إسرائيلي لإحباط التقارب المصري الحمساوي الدحلاني ومنع دخول السولار المصري إلى قطاع غزة لأن في استمرار تدفقه إحباط وتخريب لإجراءات الرئيس أبو مازن “غير المسبوقة” تجاه حماس وغزة وبحسب الصحافة الإسرائيلية التي تنقل عن الرجوب قوله “أنها إجراءات متفق عليها بين ترامب وأبو مازن ونتنياهو وأن المصريين يغردون خارج السرب ويخربون خطط حماس إنهاء سيطرة حماس على القطاع ويجب إيقافهم”.

غريبة هي هذه الإخبار وربما لا تحمل مصداقية كبيرة ولكن الماء سيكذب الغطاس أو يصدقه يوم السبت القادم حيث موعد اللقاء بين الرئيسين المصري والفلسطيني وسيظهر بالتالي مدى صدق أو كذب هذه التقارير، ولكن إن ثبتت صحتها فهي خطيرة وتشي بما بعدها.

مصر تعتبر قطاع غزة حديقة خلفية لها، فقد كانت هي التي تديره قبل عام 67 ودفعت عشرات الجنود الشهداء دفاعا عنه، وعلى أرضه قهرت كل الغزاة الطامعين بأرض مصر عبر التاريخ، وتعتبر مصر نفسها المعنية الأولى بالقضية الفلسطينية فهي من أسس منظمة التحرير وهي من رعى المقاومة الفلسطينية وعلى أرضها نشأ أول اتحاد طلاب فلسطيني، مصر والقضية الفلسطينية لا ينفصمان.

ومنذ سنتين والتقارير تفيد بأن مصر تراجع سياستها تجاه غزة والعلاقة معها. فمن الهجوم الإعلامي والقضائي على حماس واتهامها بالإرهاب والعداوة لمصر، إلى إمكانية لقاء مصالح معها ومن بوابة النائب محمد دحلان، إذ يقال إن في عهد الرئيس أبو مازن لم تعد مصر مقررة رقم واحد في الشأن الفلسطيني بل يشاركها السعودية والاردن وقطر أيضا وفق تقارير صحفية مصرية مع أن الأردن أحتج في عدة مرات بأنه يجب أن يكون شريكاً إذن تبقى السعودية وقطر وأنا أظن أن هناك ظلم للرئيس أبو مازن في هذا فهو حريص على التشاور مع العرب حتى بالشأن الداخلي الفلسطيني ولكن ربما حدثت فترة فتور مؤقت مع الرباعية العربية بخصوص عودة النائب دحلان إلى قيادة فتح.

هذا من ناحية من ناحية أخرى لا أدري إن كان الرئيس قد دُفع لاتخاذ إجراءاته ضد غزة مدعوما بموقف أميركي وبتوافق عربي فاختيار اللحظة يظل محل سؤال. لماذا الآن وفي ظل الارباك الذي يسود المنطقة من تغيير في التحالفات قام الرئيس بإجراءاته غير المسبوقة تجاه غزة؟

اليوم مصر والإمارات حليفتا النائب دحلان خصم الرئيس أبو مازن اللدود هما من يقودان الانقلاب على القوى التي كبُرت أسهمها في المنطقة أثناء الربيع العربي (قطر وتركيا وإيران وما نتج عن سياستهما) يتم ذلك بالتفاهم مع حليفتهما السعودية، وعلى ما يبدو أنهما التقطتا اللحظة التاريخية (وصول ترامب للرئاسة) لقيادة انقلاب بطيء الخطى على قطر أولاً وعلى الوضع الفلسطيني ثانياً. فهما وعلى ما يبدو لم تنسيا اللحظة التي رفض فيها الرئيس أبو مازن عرضهما مع السعودية والأردن للمصالحة مع النائب دحلان (تحديدا مصر) اللتان تعتبرانه الخليفة المؤهل لخلافة أبو مازن على رئاسة السلطة ولم تنسيا له إبعاد حليفهما ورفاقه عن المؤتمر السابع. حيث حملت تلميحات بعض المتحدثين الفتحاويين “قطع ايدي” من سيتدخل بالشأن الداخلي الفلسطيني والفتحاوي تحديدا، عبارات أغضبت مصر في حينها وكتمها المصريون. (هذا ما يشاع)

ووفق الصحافة الإسرائيلية فإن مصر وإسرائيل لم يتم التشاور معهما مسبقا بخصوص “الإجراءات غير المسبوقة” تجاه قطاع غزة وهما غير راضيتين عنها، وعليه فإن صفعة التفاهمات القاهرية لفتح تشير إلى أن ما أخرجه الرئيس عباس من الباب عاد إليه من الشباك. فالمصريون والإماراتيون ينتقمون اليوم من أبو مازن بإدخالهم النائب دحلان وفريقه إلى الملعب الفلسطيني من شباك حماس، أي شباك غزة المهمشة والمعزولة عن العالم. فحماس الساعية لفك عزلتها وقد استحكمت حلقاتها في ذروة التحولات الكبرى في الإقليم وعدم رغبتها أو موافقتها على خسران كل مكاسب العشر سنوات الماضية من حكم وامتيازات وجيش كانت تبحث عن منقذ وقد ألقته إليها مصر، كطوق نجاة، متمثلا بحليفها النائب دحلان مع المال الإماراتي وهو ما لم يحسب له فريق الرئيس عباس حسابا(كما يشاع).

السياسة قبل أن تكون قرارات هي بصيرة. ومن لا يقُدر عواقب قراراته وإجراءاته ودراسة خيارات الخصم او العدو بدقة، تنقلب عليه الأمور ويندم وفي كثير من الأوقات لا ينفع الندم، إذا يكون السبت قد دخل في مدخله عند اليهودي.

مصيبة أن تقود الامور بنفسك لما يريح ويكسب خصمك، ولكن حال السياسة لدى الفلسطينيين تفتقد الى ابسط انواع البصيرة. أغلب القرارات فيها ارتجالية غير محسوبة العواقب ونتائجها وخيمة ليس على صانعيها فقط بل وعلى مجمل القضية.

البعض حول الرئيس أبو مازن يقول إن كل ما حدث كان قد حُسب حسابه (أشك في ذلك).

في تقييمه للعلاقات الجديدة مع مصر يقول أحد القيادات الحمساوية إن الانفتاح على مصر يخلصنا من التبعية للاحتلال وهذا صحيح جزئياً وصحيح أكثر لو كنا دولة مستقلة أو لو كان ذلك يشمل مجموع ما تبقى من وطن فلسطيني على حدود عام 1967 أما أن يكون ذلك بسلخ جزء من هذا الوطن والذهاب به باتجاه مصر وتخليص المحتل من مسؤولياته، فمن يقوم بذلك يقوم بالضبط بما يريده المحتل، فهو يطبق حرفيا ما سعى ويسعى اليه بأن تكون تبعية غزة بكل شيء لمصر، وبذلك يتناثر حلم الدولة المستقلة ويتبخر.

ما تسعى اليه حماس هو تثبيت حكمها وسلطتها في قطاع غزة ولذلك تفعل أي شيء في سبيل ذلك، ولكن السير في مسار نهايته معروفة يتلخص بعبارة “نهاية القضية” ودولة غزة المستقلة. وهي خطة إسرائيلية معروضة على القيادات الفلسطينية منذ الخمسينيات من القرن الماضي وتم رفضها من قبل كل القيادات الفلسطينية سابقا. لكن حماس تسير اليها بأرجلها وهي تعتقد انها تقوم بحركة ذكية ومحسوبة وتراهن على تغير الظروف أو تقلب الأقدار مستقبلاً.

اعتقد أن حماس لا تدري أو لعلها تدري أن المايسترو (أميركا) هو من يحرك كل الامور في منطقتنا وسواء سارت في هذه الطريق او طريق قطر تركيا بتمسكها بحكم غزة، فأنها تسير لتصب في نفس المجرى، مجرى مخططات غيورإيلاند وخطط معاهد الأبحاث الاسرائيلية.

لا مجال للمناورة في القضايا الوطنية، مهما كانت المقاصد نبيلة الأهداف، ومن ضمن هذه المناورات الاجراءات “غير المسبوقة” التي طحنت الكل في غزة، وهي بحسب مراكز حقوق الإنسان تمثل عقوبات جماعية رغم تبريراتها الوطنية. في المقابل فإن سير حماس نحو تكريس واقع الانقسام وتحويله الى انفصال هو أمر خطير وطنياً.

لا يمكن لفتح أن تقود المشروع الوطني لوحدها ولا يمكن لحماس تجسيد مشروعها الإسلامي لا اليوم ولا غداً فقد أصبح أصحاب هذه المشاريع يوصفون بالإرهاب.

التفكير بعقلية وطنية يريح الجميع بينما السير وفق خطط فئوية حزبية هي وصفات أو مشاريع قاتلة لوحدة الشعب الفلسطيني وتدمير لأسس قضيته وثوابته.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار